من الفجر لنص الليل رحلة عمل متواصلة تقوم بها "حنان عبد اللطيف محمود" من أهالى العريش، سعيا فى طريق الرزق من أجل أطفالها الأربعة، تستخدم فيها الـ"عجلة" فى أوقات النهارا فى شراء ونقل الخضروات والفواكهة، لتقوم ببيعها فى وسط المدينة، وفى المساء تعمل على توزيع المعجنات والمخبوزات.
رحلة عمل يومية تقوم بها سيدة العريش تستخدم فيها العجلة بحثا عن حياة كريمة لأسرتها المكونة من 4 أطفال، 3 منهم من زوج طليقها، وطفلة من زوج توفى، إلى جانب سعيها لتوفير لقمة العيش، واستقطاع مبلغا من المال لتسديد الديون المتراكمة من تكاليف إنشاءات منزلها البسيط الكائن فى حى عاطف السادات شرق مدينة العريش.
تروى "حنان" قصة كفاحها لـ"اليوم السابع"، فتشير إلى أنها منذ أن جاءت من محافظة المنيا قبل 17 عاما لتستقر فى شمال سيناء بمدينة العريش، كزوجة لأحد الباحثين، وأنها منذ تلك اللحظة وهى تكافح معه من أجل الحصول على لقمة العيش، وبعد حياة أثمرت عن إنجاب ثلاثة أطفال، تركها زوجها، بعدما اتخذ قرار الانفصال عنها، ليطلقها، ويترك لها أطفاله، لتتحمل هى المسئولية كاملة.
تؤكد "حنان" أنها لم تدخر جهدها يوما من أجل توفير لقمة العيش لأطفالها، ففى البداية عملت فى تجارة الملابس، ثم أدوات التنظيف، وفى الأيام التى تعرضت للسيول كان بيتها من المنازل التى غرقت بما فيه من أثاث، وهو منزل استطاعت تدبير شرائه من إرث لها، وهو ما أجبرها على الاتجاه للديون من أجل استكمال المرافق به، وخلال هذه الفترة عملت فى مجال العتالة، وكانت أول سيدة فى العريش تمتهن هذه المهنة، وتقوم بالنقل والتحميل لسيارات نقل الخضروات، والعمل على "برويطة" لنقل خضروات بين المحلات.
تستكمل "حنان" حديثها، وتشير إلى أنها قبل 6 سنوات وافقت على الزواج مرة ثانية، إلا أن زوجها توفى قبل عام، لتبدأ من جديد رحلة الكفاح بحثا عن لقمة العيش، بعدما أكدت لها الأيام أنها الأمل الوحيد لأسرتها.
وعن مشروعها الجديد، تتذكر "حنان" كيف تمكنت من توفير أموال "جمعية" حصلت منها على ألف جنيه، لتشترى عجلة وضعت به صندوقا، أصبحت هى وسيلتها لكسب العيش، حيث تصل لسوق الجملة للخضروات بالعريش فى تمام الساعة الرابعة فجرا، ثم تقوم بأعمال نقل للخضروات لتجار الجملة والقطاعى لـ"تسترزق"، وبعد قرب انتهاء فض السوق فى حوالى الساعة السابعة والنصف صباحا، تشترى كميات من الخضروات والفواكه، وتذهب بها لبيعها قطاعى على فرش أمام بوابة مركز شباب العريش وسط المدينة، على بعد نحو 6 كيلو من منزلها، وهذه المسافة تقطعها على عجلتها ذهابا وإيابا وبرفقتها أصغر طفلة لها وهى الوحيدة من زوجها الثانى.
تجلس "حنان" أمام فرشة "الخضروات" لبيعها حتى موعد انتهاء خروج الموظفين عصرا، ثم تعود للمنزل لتجهيز الغداء والجلوس قليلا مع أبنائها الأربعة، وهم: هدير فى الصف الأول الثانوى أزهرى، ومحمد فى الثانى الإعدادى أزهرى، وعبد اللطيف فى السادس الابتدائى أزهرى وهم من زوجها الأول، بينما طفلتها الصغيرة منة 5 سنوات من زوجها الثانى تكون برفقتها.
لا تتوقف رحلة "حنان" فى البحث عن رزق أطفالها عند هذا، فمن يشعر بالمسئولية لا يعرف الراحة، وما بالك إذا كانت أما، تشعر بألم أطفالها، ولهذا، فبعد هذا الوقت، وتحديدا، مع أذان المغرب، تتجه "حنان" إلى عملها الثانى، والذى تستخدم فيه العجلة أيضًا، وهو بيع المعجنات التى تصنعها فى منزلها، وهكذا تتشكل رحلة "حنان" بين سوق الخضروات وتجهيز الأكياس لبيعها والعودة إلى منزلها فى منتصف الليل لتستريح قليلا حتى الساعة الرابعة، ثم تبدأ من جديد رحلة كفاحها اليومى.
قد يتصور البعض، أن "حنان" وهى تروى تفاصيل يومها تشعر بمرارة أو إنكسار فى حلقها، لكن على العكس، وكما تؤكد، فهى تتحدث عن نفسها بكل فخر واعتزاز، فتقول: "أنا فخورة إنى بجرى على أيتام وإنى سيدة مكافحة"، لافتا فى الوقت نفسه إلى أن أكثر من يشجعها على الاستمرار فى رحلة كفاحها، هو تقدير من حولها لها من كبار التجار الذين يعاملونها كشقيقة صغرى لهم.
تتحدث "حنان" وتقول: "بصراحة العمل وسواقة العجلة متعب جدا.. كتافى تعبتنى وبحاول أخفى وجعى وألمى عشان خاطر عيالى.. وماينفعش يوم أفضل من غير شغل.. مصاريف الحياة صعبة خصوصا هذه الأيام واللى جاى على قد اللى رايح".
كما تشير "حنان" إلى أنها شعرت بالسعادة عندما تابعت مقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسى للسيدات المكافحات، مثل "نحمدو" واعتبرته شرفا لكل "ست شقيانه"، كما تحلم هى أيضا أن تحظى بشرف مقابلة الرئيس باعتبارها أول سيدة تركب العجل بحثا عن الرزق فى العريش.
وتشير "حنان" إلى أن ما تتمناه هو استكمال إنشاءات بيتها وترميمه والقدرة على تسديد ما تبقى من ديون متراكمة عليها حتى اليوم تصل لنحو 10 آلاف جنيه، وأن تحصل على مكان محل أو كشك تبيع فيه خضرواتها وتستبدل عجلتها بسيارة مناسبة بقسط مريح وفق دخلها.
وفى نفس السياق، قال عدد من التجار فى سوق الجملة فى مدينة العريش، أن السيدة حنان "ست بألف راجل فهى تجرى على أيتام، وتصر على تربيتهم بالحلال والعمل كأى شاب ورجل وهى مثال للصبر والكفاح".
ويقول "سيد مجاهد"، تاجر جملة، إننا لم نر من "حنان" إلا كل جدية ولهذا فدائما ما نحاول مساعدتها، فهى المرأة الوحيدة فى السوق التى تستخدم العجل وتقودها فى تحدى لنظرات المجتمع من حولها من أجل كسب الرزق.
وفى نفس السياق، يؤكد "أحمد ندا"، تاجر الفاكهة، على أن جميع من فى السوق يكنون المحبة والتقدير لها، ويعتبرونها مثالا للكفاح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة