فى يوم 18 ديسمبر 1914، مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، استطاعت بريطانيا التى كانت تحتل مصر منذ عام 1881، أن تطيح بالدولة العثمانية من مصر، التى احتلتها منذ قرون مضت وبالتحديد منذ عام 1517، لكن ذلك لم يحدث بين يوم وليلة.
وفى ذلك يقول كتاب (مصر فى الحرب العالمية الأولى) للطيفة محمد سالم "سارت سياسة إنجلترا أثناء الاحتلال فى أربعة اتجاهات تمكنت من خلالها السيطرة على الموقف فى مصر. وتمثلت فى محاولة إقناع الدول بأن مصر لإنجلترا والسعى للاعتراف بالوضع القائم فيها، وتخطيط علاقتها مع الدولة العثمانية صاحبة السيادة الشرعية على مصر، والارتباط بينها وبين الخديو الحاكم المستمد سلطته من خليفة المسلمين فى الأستانة، وموقفها تجاه الحركة الوطنية، وامتزجت هذه الاتجاهات فى تركيبة خاصة، تمكنت إنجلترا بها من أن تحقق أغراضها".
وتابع الكتاب: "تلونت سياسة انجلترا تجاه الدولة صاحبة السيادة على مصر فكثيرا ما كانت تعلن لها عن نيتها فى سحب جيوشها منها، وكثيرا ما حددت الميعاد، ولكنها لم تنفذ، وقلقت الدولة العثمانية لهذا الوضع، فاستعانت بجمال الدين الأفغانى صاحب صيحة وحدة العالم الإسلامى التى هى قبلته، وعندما أرادت تعيين الحدود بين مصر وممتلكاتها رأت أن تضم العقبة وملحقاتها وشبه جزيرة سيناء إلى ولاية الحجاز، وأرسلت الفرمان الجديد لعباس حلمى الثانى فى 17 يناير 1892 حاملا هذا المعنى".
وأضاف الكتاب: "اعتبرت إنجلترا أن ذلك تهديدا للمصالح البريطانية فى مصر، وأمر كرومر بعدم قراءة الفرمان، ومضى ضغط إنجلترا على الاستانة حتى تراجعت عن الأمر، وتبع ذلك أن طلب كرومر من ناظر الخارجية المصرية عدم إحداث أى تغيير فى العلاقات بين مصر والدولة العثمانية إلا بموافقة إنجلترا".
وترى لطيفة سالم: "الدولة العثمانية عادت مرة أخرى فى أوائل عام 1905 لعرقلة مسار إنجلترا فى مصر بعد أن تحسنت ظروفها الخارجية والداخلية، فنضجت مسألة الجامعة الإسلامية، وأصبح الشعور الوطنى فى مصر قريبا منها بفضل مجهودات الحزب الوطنى، وظهور ألمانيا كدولة قوية يمكن للدولة العثمانية الاعتماد عليها، فأثارت مسألة الحدود، وعندما أحست إنجلترا بالموقف أعدت سيناء للأعمال الحربية وسرعان ما اعتدى الأتراك عليها، واحتلوا طابا لمد السكة الحديد من معان إلى العقبة، وعندئذ طالبت إنجلترا الدولة العثمانية باسم مصر أن تجلو عن طابا، هذا فى الوقت الذى توقعت فيه الاستانة تاييد الدول له، فخاب أملها فى ذلك، ففرنسا وروسيا ميولهما لإنجلترا، وألمانيا فضلت الحياد، لهذا تراجعت وانسحبت فى مايو 1906 بالرغم من أنها الدولة صاحبة السيادة الشرعية، ولكن وقوف إنجلترا لها بالمرصاد وعدم موافقتها على نقل شبر من الأرض المصرية لها بدا وكأن انجلترا أصبحت صاحبة السيادة الرسمية على مصر".
وينتهى الكتاب إلى أنه عند وقوع الحرب الطرابلسية فى صيف 1911 أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية فى برقة وطرابلس الغرب، ووقفت مصر موقف الحياد، وهذا ما أملته عليها سلطت الاحتلال، وكان ذلك باكورة أعمال كتشنر المعتمد البريطانى الجديد بالرغم من مخالفته لمعاهدة لندن 1840، ولكن إنجلترا لم تستطع أن تحول بين المصريين وإخوانهم الطرابلسيين، فقدموا لهم الذخيرة والأموال والمؤن والمعونات الطبية.
وتكرر حياد مصر فى حرب البلقان 1913، وبذلك أصبح ما يربط مصر بالدولة العثمانية لا يقره ولا يعترف به أحد، ونجحت إنجلترا فى الاستحواذ على مصر، وما لبث أن قامت الحرب العالمية الأولى لينقطع كل رباط بين مصر والدولة العثمانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة