عقوبات أصدرتها إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ضد مسئولين كوريين شماليين، من بينهم شخصيات مقربة للزعيم كيم جونج أون، فى خطوة من شأنها إثارة استياء بيونج يانج، والتى تسعى نحو رفع العقوبات المفروضة عليها، بعدما تحقق من تقدم فى الآونة الأخيرة، سواء على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة، على خلفية القمة التى عقدها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع نظيره الكورى الشمالى، بالإضافة إلى الطفرة الكبيرة فى العلاقة بين بيونج يانج وجارتها الجنوبية، والتى تمثل أحد أكبر حلفاء الولايات المتحدة فى القارة الآسيوية.
ولعل امتناع إدارة ترامب، عن اتخاذ قرار برفع العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية كان سببا رئيسيا فى توتر العلاقات بين البلدين فى الأسابيع الماضية، خاصة بعدما لوحت الإدارة الحاكمة فى بيونج يانج، بإمكانية العودة من جديد إلى أنشطتها النووية وتجاربها الصاروخية المرتبطة بها، فى ظل التعنت الأمريكى فى التعامل معها، وبالتالى فيمثل القرار الأمريكى الأخير بفرض عقوبات جديدة على مسئولين كوريين شماليين، بمثابة تحد جديد للمفاوضات بين الجانبين فى المرحلة المقبلة، بعدما توقع قطاع كبير من المتابعين حدوث انفراجة فى هذا الصدد بعدما نجح الرئيس ترامب، فى التوصل إلى صفقة مع نظيره الصينى خلال لقائهما فى العاصمة الأرجنتينية بيونيس آيرس على هامش قمة العشرين، من شأنها تهدئة الحرب التجارية المندلعة منذ شهور.
انتهاكات حقوقية.. حقوق الإنسان ليست أولوية فى أجندة ترامب
ويمثل الأسباب التى ساقتها الإدارة الأمريكية فى عقوباتها الجديدة ضد المسئولين الكوريين الشماليين، والتى تدور حول انتهاكات حقوقية ارتكبوها، محلا للتساؤل، خاصة وأن قضية حقوق الإنسان ربما لا تمثل أولوية كبيرة فى الأجندة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بملف كوريا الشمالية، منذ بداية المفاوضات، وهو الأمر الذى بدا واضحا فى تجاهل الرئيس الأمريكى لمناشدات الدول الغربية بإثارة هذه الانتهاكات التى يرتكبها النظام الحاكم فى بيونج يانج، خلال لقاءه مع كيم فى يونيو الماضى فى سنغافورة.
النظام الحاكم فى كوريا الشمالية، يرى أن الحديث الأمريكى عن أوضاع حقوق الإنسان هو امتداد لمسلسل الضغوط التى تحاول الإدارة الأمريكية فرضها عليهم فى المرحلة الراهنة للحصول على أكبر قدر من التنازلات إبان المفاوضات النووية بين البلدين، والتى توقفت منذ فترة بسبب الرفض الأمريكى لرفع العقوبات المفروضة على بيونج يانج، وهو الأمر الذى من شأنه تفاقم حالة انعدام الثقة بين الجانبين إذا ما استمرت السياسات الأمريكية على نفس النهج.
الاستقواء بخصوم أمريكا.. ترامب يحاول استعراض قوته
وهنا تثور التساؤلات حول ما إذا كان التكتيكات الأمريكية تستهدف النظام الحاكم فى بيونج يانج، أم أنها تحمل فى طياتها استهدافا لأطراف أخرى، فى ظل حالة عدم الرضا التى تنتاب الرئيس ترامب ، تجاه التوجهات التى يتبناها زعيم كوريا الشمالية، والتى تقوم على التقارب مع خصوم أمريكا، وعلى رأسهم الصين وإيران، والتى يعتبرها الرئيس الأمريكى بمثابة رسائل ضمنية مفادها أن الولايات المتحدة لا يمكنها الوصول إلى حل لأزمة كوريا الشمالية دون إبداء قدر من المرونة تجاه خصومها، وهو ما بدا واضحا فى إعلان ترامب عن احتمالات انعقاد قمة جديدة مع كيم فى أوائل العان المقبل، وذلك فى أعقاب الهدنة التجارية التى عقدها مع نظيره الصينى فى وقت مبكر من هذا الشهر بالأرجنتين.
يبدو أن الإدارة الأمريكية تحاول استعراض قوتها على الجانب الكورى الشمالى فى المرحلة الراهنة، ربما لمنعه من الاستقواء بخصوم الولايات المتحدة، فيما يتعلق بالمفاوضات القادمة، وبالتالى إجباره على الرضوخ للرغبات الأمريكية، والمتمثلة فى التخلى الكامل عن الترسانة النووية، خاصة وأن الهدنة التجارية التى عقدها ترامب مع الصين ربما لا تؤدى إلى نتائج طويلة المدى، فى ظل ظهور خلافات جديدة بين الولايات المتحدة والصين على خلفية احتجاز الحكومة الكندية لمسئولة بشركة هواوى الصينية فى اتهامات تتعلق بالتعاون مع إيران وبالتالى انتهاك العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، وهى الأزمة التى تنذر بمواجهة أمريكية صينية جديدة فى الأيام القادمة.
الحلفاء المارقين.. كوريا الشمالية نجحت فى استقطاب جارتها الجنوبية
ولكن لم تقتصر محاولات الضغوط التى تبذلها بيونج يانج، على الإدارة الأمريكية على استخدام ورقة الصين وأحيانا إيران، ولكنها تمتد كذلك إلى استخدام حلفاء الولايات المتحدة، وعلى رأسهم كوريا الجنوبية، والتى تعد بمثابة الداعم الأكبر لمواصلة المفاوضات النووية مع نظام كيم جونج أون، وذلك على اعتبار أن نزع السلاح النووى يمثل الضامن الرئيسى للاستقرار فى شبه الجزيرة الكورية، حيث نجحت بيونج يانج، فى الانغماس فى علاقة ودية للغاية مع سيول وضعت الأخيرة فى موقف الرافض للسياسات الأمريكية المتعنته تجاه جارتها الشمالية.
ولعل محاولات سيول فى دعم الخطوات الإيجابية التى اتخذتها بيونج يانج، امتدت إلى تجاوز واشنطن فى الكثير من الأحيان، خاصة وأن البلدان اتخذا مؤخرا طريقا للتعاون، عبر ربط خطوط السكك الحديدية، بالإضافة إلى اتجاه كوريا الجنوبية نحو الترويج لانفتاح كوريا الشمالية على العالم، وهو الأمر الذى يتعارض مع رغبة إدارة ترامب، وسياستها القائمة على فرض أقصى حد ممكن من الضغوط على بيونج يانج لتحقيق أكبر قدر من المكاسب خلال جولات التفاوض بين البلدين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة