"أن الشعر العربى حينما يترجم يفقد الشعر العربى موسيقى اللغة والصور التى تثيرها" بهذه الكلمات وصف الشاعر السورى الكبير أدونيس، حال القصائد الشعرية العربية، عندما يتم ترجمتها.
جاء ذلك خلال احتفاء مجلة بانيبال، بالشاعر السورى الكبير أدونيس، فى أمسية لمناقشة أعماله الأخيرة "كونشيرتو القدس"، والتى ترجمها خالد متى، وفى المركز العربى البريطانى، ونشرت المجلة تقريرا عنها خلال الأيام الماضية، عبر موقعها الإلكترونى.
أدونيس
أوضح أدونيس قائلا: حول أزمة ترجمة الشعر العربى، "فى الترجمة، يفقد الشعر العربى موسيقى اللغة والصور التى تثيرها. إنه يفقد الإيقاعات الفريدة، التى لا يمكن تكرارها من خلال إيقاعات أى لغة أخرى".
حول هذا التصريحات، استطلاعنا آراء عدد من النقاد والشعراء والمترجمين، لمعرفة آرائهم حول إذا كان الشعر العربى يفقد جمالياته عند الترجمة، وما هى أسباب ذلك؟
حسين حمودة
قال الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربى الحديث، بكلية الآداب جامعة القاهرة، اتصور أن قطاعا كبيرا جدًا من الشعر العربى تأسس على الاحتفاء بالجوانب الموسيقية والإيقاعية، وكان هذا واضحا تماما فى هذا الشعر خلال عصوره القديمة والوسطى، ثم فى العصر الحديث حتى تجربة الشعر الحر، وفى القصائد الشعرية العربية التى تنتمى غلى شكل "قصيدة النتثر" لايزال الاستناد إلى الجوانب الإيقاعية قاما.
وأضاف "حمودة" فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، ومن البديهى أن العلاقات الموسيقية والايقاعية ترتبط باللغة نفسها التى يكتب بها الشعر، ومنها تختفى فى حالة ترجمة هذا الشعر للغة أخرى، وبالتالى حديث أدونيس هذا ينصرف إلى بديهية من البديهيات.
ولفت الدكتور حسين حمودة، لكن هناك طبعا عدد كبير منن القصائد، فى الشعر العربى القديم والحديث معا، كان يراهن على الصور، بل وينهض على روح سردية أو قصصية أحيانا، وكانت الموسيقى فيه تعتبر شيئا ثانويا إلى حد ما، وهذا النوع من القصائد يسهل ترجمته إلى لغات أخرى ويستطيع الحفاظ على جمالياته بعد الترجمة إلى حد بعيد.
وأشار أستاذ الأدب العربى الحديث، لكن من المؤكد بشكل عام أن الشعر من أصعب الأنواع الأدبية فى ترجمته، بل ويصل بعض هذا الشعر على مستوى التعبير الذى يطرحه المنظرون لقضايا الترجمة ويصفونه بـ"استحالة الترجمة"، وهذه الاستحالة نسبية طبعا ولا تقف عند حدود الشعر العربى وحده، وانما تنطبق بدرجات مختلفة على الشعر الإنسانى كله.
رفعت سلام
من جانبه، قال الشاعر والمترجم الكبير رفعت سلام، إن كلام أدونيس إلى حد كبير صحيح، وذلك لأن الشعر العربى يعتمد فى أكثر اللازم على الإيقاع، وعلى التركيبات الصوتية، سوا كان الوزن والكافية موحد، أو حتى فى قصيدة التفعيلة، فالشعر يرتكز على التركيبات الإيقاعية.
وأضاف "سلام"، كما أن الشعر العربى يرتكز بنفس القدر على الصيغات العاطفية، أى المثيرة لتجاوب الجمهور، باعتبار أن كل شاعر يكتب وفى ذهنه إنه سيلقى إلى جمهور يتلقى النص بشكل مباشر، وبالتالى يستخدم كل القيم الشفاهية فى قصيدته، وفى الترجمة فأن أول ضحايا النقل من وإلى أخرى، بصرف النظر عن كفاءة أو قدرت المترجم إنما هى هذه القدرات الإيقاعية والشفاهية.
ولفت الشاعر الكبير رفعت سلام، فالقدرت الإيقاعية قضية فى النقل بشكل إجبارى، والطبقات الشفاهية تتقلص كثيرا، وتبدو عند القارئ من ثقافات أخرى مسألة عفى عليها الزمن، لأن النص فى الثقافات الأخرى انتقل من الشفاهية إلى الكتابة، ولذلك فأن شعراء فرنسا على سبيل المثال وأوروبا عامة، وقد شاركت فى كثير من المهرجانات معهم، لا يهتمون كثيرا بطريقة الإلقاء وإنما يقرأ كل منهم نصه كأنه يقرأ فى جريدة أو كتاب.
وأتم مترجم "الأعمال الشعرية الكاملة لشارل بودلير" لدينا الإلقاء له واقع بين الشاعر والمتلقى، وهذه القيمة تضيع من نقل لغة إلى أخرى، وهذه القيم من أساسيات اللغة العربية القديمة والحديثة.
أسامة جاد
فى السياق ذاته، قال الشاعر والمترجم أسامة جاد، أن ترجمة الشعر كفعل هو واحدة من الأزمات، وذلك لأن فى بنية القصيدة دائما هناك إيقاع وصوت وتصوير، وعندما تترجم الصور أو المجاز، يتم تحول الصوتيات الموجودة فى القصيدة إلى صوتيات أخرى، ولذا يكاد يكون مستحيل ترجمة الجناح الصوتى للقصيدة.
استشهد "جاد" بكلمات الشاعر العباسى "أبو تمام" عندما قال "السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ/ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ/ بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في/ مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ"، حيث يظهر فيها عدد من الأصوات، فإذا تمت ترجمتها من السهل ترجمة الكلمات، لكن يصعب ترجمة الأصوات التى تظهر فى تلك الأبيات.
وتابع الشاعر أسامة جاد، فالترجمة تفقد جزء من شعرية الشعر، وكذلك الإيقاع، مثل بحر " مُسْتَفْعِلُنْ فَاْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلُ"، ولهذا فأنت تفقد جزئين أساسين فى الترجمة، مشيرا إلى أن ذلك ليس فقط فى الترجمة إلى العربية، ولكن من العربية وإليها أيضا، مستدلا بـ (البحر الايمبى) وهو أحد البحور المركزية فى الشعر الأوروبى، حيث يفقد إيقاعه عند الترجمة.
وأوضح الشاعر أسامة جاد، أن ما يستطيع المترجم تقديمه، هو محاولة تعوض ما يفقد من الصوتيات والايقاع، بزيادة توتر الجملة، ما يجعل القارئ يتخيلها، فهو يعتمد على ترقى القارئ.
وأشار "جاد"، أن ما نحتفظ به هو الصورة أو الحكاية السردية، ولكن ذلك أيضا يواجه مشكلة التأويل وكل بيختلف تأويله للنص من قارئ لآخر، والمترجم نفسه أيضا يقدم تأويله للنص الشعرى وبيحاول توصيله، ولذلك يكون نسب عدم مطابقة الشعر المترجم كبيرة، وتكاد تكون ترجمة الشعر كما ينبغى وبكامل عنصره، مسائلة مستحيلة.
ولفت أسامة جاد، بأن إذا تركنا الشعر، نفقد جزء من الإرث الثقافى الإنسانى، ولذلك تظهر أهمية الترجمة، مستشهدا بكلمة " أيها المترجم أيها الخائن"، موضحا أن المترجم خائن لكن خيانة لابد منها، والدليل على ذلك ما نقلته الناقدة الفرنسية سوزان برنار، عن أن "بودلير" عندما انتقل لقصيدة النثر كان بعدما قرأ نص لشاعر صينى، فقد الكثير من خصائصه الشعرية، لكنه ظل محتفظ بجوهر الشعرية، وهنا رأى إمكانية كتابة الشعر بالأداء النثرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة