كريم عبد السلام

مشروع تطوير التعليم.. حياة أو موت

الأحد، 02 ديسمبر 2018 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لسنوات طويلة ظللنا ندور فى دوامة مشاكل وعيوب أنظمة التعليم العام والتعليم الفنى عندنا، وكلما جاء وزير للتعليم غرق فى التفاصيل الهامشية مثل إلغاء الصف السادس أو الإبقاء عليه، أو المطالبة بميزانيات إضافية لترميم الأبنية التعليمية وبناء مدارس جديدة لتقليل الكثافة فى الفصول، ثم الدخول فى نفق الثانوية العامة بتكلفتها الخرافية وما تثيره من رعب لدى أولياء الأمور والطلاب وما يدور حولها من سوق سوداء فى الدروس الخصوصية والمدارس الموازية فى السناتر والكتب الخارجية، لكن لم يتحدث أحد طوال الأربعين أو الخمسين عاما الماضية عن جودة التعليم ونوعية الخريجين من مدارسنا وجامعاتنا ليصبحوا المهنيين والفنيين والمسؤولين عن تسيير مختلف أمور الدولة، وصار لدى الجميع قناعة أنه لا أمل فى التعليم المصرى وعلى من يرغب فى تعليم أولاده وضمان وظيفة مرموقة لهم أن يتوجه إلى التعليم الأجنبى، المدارس الإنترناشيونال والجامعات الأجنبية.
 
واستمر الهدر والنزيف طوال العقود الخمسة الماضية، مليارات الدولة توجه لمدارس وجامعات لا تعلم شيئا ويتخرج منها الملايين ليحملوا شهاداتهم ويعلقوها على الحوائط لتسديد خانات اجتماعية زائفة، ثم يجلسون على المقاهى أو يبتلعهم وباء التطرف أو المخدرات أو يبدأون من جديد بعد ضياع نحو 16 أو 17 عاما من أعمارهم فى تعليم بدون تعلم، ليتحولوا إلى بائعين دون مهارات أو موظفين ناقمين أو أصحاب مشروعات خاسرة، ومن يسافر منهم للخارج يعمل فى أدنى المهن لأنه بدون مهارات تذكر.
 
ومنذ عام ونصف فقط، أطلقت الدولة ممثلة فى وازرة التربية والتعليم وبمشاركة وزارة التعليم العالى، المشروع القومى لتطوير التعليم العام والتعليم الفنى، وهدفه واضح وبسيط أن يكون التعليم فى مدارسنا حقيقيا ويستطيع الطالب فى المراحل الأساسية قبل الجامعة أن يمتلك مجموعة من المهارات يمكن أن يكتفى بها ويدخل سوق العمل أو يكمل فى الجامعات التخصصة والجامعات التكنولوجية الجديدة ليكون أكثر تخصصا وأفضل مهارة وأقدر على اقتحام سوق العمل فى مصر وفى غيرها من البلاد العربية والأوروبية.
 
هذا المشروع القومى الذى بدأ بالفعل تطبيقه على المراحل السنية الأولى KG1 و KG2 والصف الأول من التعليم الأساسى، بالإضافة إلى الصف الأول الثانوى، يستهدف البداية من جديد، تعليم حقيقى يقوم على إكساب الطالب المهارات واللغات ومنحه فرصة للفهم والتفكير، ومن ثم وضعه على طريق الإبداع، أيا كان التخصص الذى يدرسه، لأن مجتمعنا يموت ببطء لندرة الإبداع فيه وتنغلق أمام خريجينا أسواق العمل بالداخل والخارج رغم أعدادهم المهولة لنقص المهارات والخبرات التى تعلموها، ولأن بلادا كنا نرسل إليها المعلمين والخبراء أصبحت ترفض استقبال معلمينا وخبرائنا وتفوقت علينا فى مستوى التعليم وجودته.
 
هذا المشروع القومى لتحسين جودة التعليم، كان لابد له أن يصطدم بمافيا الدروس الخصوصية التى تستنزف الطلاب وأولياء الأمور وتقوم على الحفظ والتلقين وليس على الفهم والإبداع والابتكار، وأن تصطدم بمافيا ناشرى الكتب الخارجية الذين يعملون على الفوز بمناقصات طباعة الكتب المدرسية الحكومية فيطبعونها بمناهج عقيمة وبصورة رديئة بينما يطلقون الكتاب الخارجى الغالى الثمن المدعوم بالشروح والصور والإيضاحات بصورة زاهية وجودة عالية، كما كان له أن يصطدم، وهذا هو الأهم، بخوف أولياء الأمور والطلاب من التغيير، فهم، أى أولياء الأمور والطلاب، اعتادوا أن يسلموا رقابهم لمافيا الدروس الخصوصية ويدفعون كل ما لديهم ليحصلوا على المائة سؤال التى لن يخرج عنها الامتحان، وعندما يحصلون على الدرجات النهائية ينسون كل ما حفظوه ويكتشفون أنهم لم يتعلموا شيئا، ومع ذلك لا يطلبون سواه ويخشون تجربة الجديد الذى يستهدف مصلحتهم على المدى المنظور والبعيد.
 
المشكلة الأخرى التى تواجه هذا المشروع العظيم لإنقاذ التعليم المصرى، أنه لا يحظى بالدعاية ولا التسويق اللائقين، ليس فقط من وزارة التعليم نفسها، فالوزير طارق شوقى لا يمر أسبوع إلا ويخرج على التليفزيونات يتحدث عن المشروع، ولكن ما أقصده أن هذا المشروع وهو مشروع قومى للدولة المصرية، يحتاج أن تتكاتف وراءه كل جهات الدولة من إعلام وثقافة وقطاعات الإنتاج الدرامى والسينمائى وحتى خطباء المساجد ووعاظ الكنائس، فهذا المشروع هو بداية صحيحة لبناء إنسان مصرى مبدع ومبتكر، نعم قد لا يحقق المشروع كل شىء فى السنة الأولى، لأن الظاهر لدينا هو الفصول المكتظة والمقاعد المتهالكة، لكن ما سيعود به حقيقة هو تخريج أجيال تعيد للمجتمع المصرى مجده وقدرته وإبداعه، وفى الوقت نفسه سيأتى المشروع بعوائد اقتصادية ترمم المدارس الحالية وتبنى أخرى جديدة وتفتح المجالات أمام الطلاب ليتعلموا ما ينفعهم وما يساويهم بالطلاب فى أى بلد متقدم.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة