قدم الانسحاب الأمريكى من سوريا هذا البلد إلى إيران على طبق من ذهب، هكذا رأى المراقبون للشئون الإيرانية، فعلى مدار السنوات الماضية شكلت القوات الأمريكية مصدر ازعاج إلى طهران الموجودة فى الميدان السورى بفصائلها المدربة ومستشارى الحرس الثورى، انسحاب أمريكى سيشعر صانع القرار الإيرانى حياله بالارتياح والإطمئنان ولو إلى حين، ويجعلها تنفرد بالميدان وحدها مع الحليف الروسى"غير الموثوق" فيه بحسب ما يقول الإيرانيين، بعد أن خلق التقارب فى الروسى الأمريكى الفترات المتباعدة على مدار العام 2018 مخاوف من تخلى الروس عن طهران.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب برر الانسحاب من سوريا بأن بلاده "هزمت تنظيم داعش"، مشيرا إلى أن "ذلك الهدف كان المبرر الوحيد الذي جعله يحتفظ بقوات أمريكية هناك"، طهران الرسمية حتى كتابة هذه السطور لم تبدى أى رد فعل تجاه القرار ، لكن تزامن القرار زيارة الرئيس الإيرانى حسن روحانى إلى تركيا، فغداته عقد مباحثات بين الرئيسين في أنقرة تركزت أساسا على النزاع افي سوريا ويعتبروا أن بلداهما لاعبين أساسيين في هذا النزاع، وتعقد المباحثات على خلفية تهديدات تركية بتنفيذ هجوم جديد في شمال سوريا ضد اكراد سوريين ولدى البلدين تخوف من اقامة أى كيان كردى يشجع أكراد البلدين بالاستقلال والقيام بحركة مماثلة.
لكن على أى حال ترك الانسحاب الأمريكى الساحة السورية للسلطات الحكومية المتمثلة فى الرئيس بشار الأسد المدعومة من إيران وروسيا من جهة وقوات سوريا الديمقراطية والجيش الحر الموالى لتركيا من جهة أخرى والفصائل المسلحة الأخرى، وتعتبر طهران أن وجود القوات الأمريكية في سوريا غير شرعي على عكس القوات العسكرية أو المستشارين من الحرس الثورى المتواجدين بطلب من النظام السوري بحسب التبرير الإيرانى.
محلل إيرانى يشكك فى نويا القرار الأمريكى
وشكك المحلل السياسى الإيرانى فريدون مجلسى فى مقاله الافتتاحى بصحيفة "أفتاب يزد" الإصلاحية، من نوايا هذا الانسحاب، ووضع احتمالات لإجراءات تقوم بها الولايات المتحدة التى رأى أن انسحابها لا يعنى الاستسلام لحكومة الرئيس السورى، وأن يخسر ترامب ما أنفقه السنوات الماضية فى سوريا ويسلمها فى النهاية للأسد، ورأى المحلل الإيرانى أن يكون قد توصل لإتفاق مع أكراد سوريا وأن يدار هذا البلد بالتعاون بين الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية.
ورأى مجلسى، أن هذا الانحساب يعد تحذير أيضا للبلدان المتواجدة فى سوريا كى تترك هى الأخرى مواقعها فى هذا البلد، واستبعد عودة تنظيم داعش مجددا بعد أن خسر أخر معاقله فى دير الزور، لكنه فى النهاية قال أن الانسحاب لا يعنى أنها لن يكون لها تواجد عسكرى، قائلا "لن تبقى على قواتها هناك لكن سيكون تواجدها عبر البوارج الحربية واسطولها الجوي فى سوريا".
روحاني فى أنقرة
وأصبح السؤال المثار الأن هو:ماذا ستفعل إيران التى ترى نفسها ممسكة بخيوط الأزمة السورية منذ 8 سنوات، وأصبحت أقوى لاعب فى الساحة السورية، الإجابة على هذا التساؤل خرجت من الولايات المتحدة أيضا فى نفس ليلة القرار، فقد حذر مسئولين ومحللين أمريكيين من استغلال طهران للفراغ الأمريكى، وتوقعوا سيناريوهات أسوأ بكثير، ونظر إلى القرار فى الشرق الأوسط بأنه متناقض مع التوجه الأمريكى ففى الوقت الذى أكدت فيه الإدارة الأمريكية عزمها لإخراج كل القوات التي تعمل بإمرة إيران في سوريا، يصدر ترامب هذا القرار، ورأى المقرابين أن من شأن القرار تعزيز النفوذ والتموضع الإيرانى فى سوريا.
سيناريوهات التحرك الإيرانى فى سوريا بعد أمريكا
طهران التى أصبحت محط أنظار الجميع اليوم، وبات ينظر إليها بارتياب بعد أن اصبحت الظهير السياسى الأوقى للرئيس بشار الأسد، وفقا للتقديرات فمن الطبيعى أن تستغل الفراغ الذى قد يتركه الانسحاب الأمريكى فى تمدد نفوذها ورفع أعداد مقاتيلها، الأمر الذى سيخلق سباق جديد مع الحليف الروسى على الكعكة السورية، والاحتفاظ بأكبر قدر من أوراق اللعب فى الأزمة السورية، ولأن طهران تنظر إلى الدب الروسى بريبة الأن وتخشى من اتفاق سرى بين روسيا وواشنطن للعمل على إخراجها، فى المقابل تمتلك طهران أدوات أخرى تعزز نفوذها فى هذا البلد فى مقدمتها ورقة الإعمار السورى، فبالأمس أعلنت حكومة طهران قيامها بدور وسيط بين الحكومة السورية والقطاع الخاص الإيراني للمساهمة في إعادة إعمار سوريا ذلك عبر بضمانات يقدمها البنك المركزي الإيراني للمستثمرين الإيرانيين من دون إنفاق مباشر من الحكومة، وتدير مجموعة "خاتم الأنبياء" التابعة للحرس الثورى استثمارات قوية في سوريا، وتقارير أشارت إلى أن مستثمرون إيرانيون يشاركون في إعادة إعمار سوريا بحوالى 600 مليار دولار.
هذا ومن ناحية أخرى يرى مراقبون أن طهران لن تتمكن من التغلغل بقوة لعدم استنزاف خزينتها وسط تحديات كبيرة تواجهها فى الداخل، والأزمة الاقتصادية الطاحنة والعقوبات التى تكبد أقتصادها الكثير وتحرمها من ملايين الدولارات من عوائد بيع النفط، لذا من المرجح ألا تتمكن طهران من الانفاق على خططها فى سوريا بنفس القوة قبل فرض حزمتي العقوبات الأمريكية فى 8 اغسطس و4 نوفمبر، وتخشى من أن تخرج مجددا الجماهير الغاضبة من الدعم الإيرانى لسوريا كما حدث فى احتجاجات الفقراء ديسمبر 2017، عندما طالبوا بلادهم بالنأى بالنفس عن سوريا، ورفعوا شعار "أتركوا سوريا وأنظروا لحالنا"، لكن من غير المرجح أن تترك إيران سزوريا بهذه السهولة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة