دينا شرف الدين

مكارم الأخلاق (١١).. " الحياء "

الجمعة، 21 ديسمبر 2018 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نستهل مقال اليوم  كما اعتدنا  بقول الصادق الأمين ذو الخلق العظيم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".
 
أما عن الأخلاق فبها من الفضائل و القيم  ما يجعلنا لا نتوقف و لا ننتهي من الكتابه عنها  ليس فقط في عشرات المقالات بل المئات منها، فالأخلاق كما نعلم هي  المنظم الأساسي للمجتمع  و هي التي تحكم العلاقات بين الناس و تضعها في أُطُر و أشكال معينة  ربما تكون متسقةمع بعضها البعض  في مجتمع هادئ مستقر متناغم  يسودة الأمن و الأمان و الثقة و الإطمئنان ، أو غير متسقة في مجتمع غير متآلف به ما به من أسباب التفكك و الإنحدار و هذا هو المأزق الحقيقي .
 
والفضيلة الأخلاقية التي نتناولها في مقال اليوم "الحياء"، نفتقدها كثيراً في تلك السنوات و نود البحث عن أسباب اختفائها ومحاولة استعادتها  وإحيائها من جديد نظراً  لشدة أهميتها و تأثيرها المباشر علي العلاقات الإجتماعية بين الناس داخل المجتمع .
 
فإذا تذكرنا سنوات الخير و الصلاح عندما كان المجتمع بخير و العلاقات الإجتماعية سليمة مستندة تلقائياً علي قيم  خلقية و عادات و تقاليد لا يتخطاها إلا كل من يكون بنظر الآخرين خارج عن النسق الإجتماعي أو بمعني آخر  ذو سلوكٍ شاذ و مستغرب !
• و قد كان ( الحياء ) علي رأس هذه القيم  الأخلاقية بل و درة تاجها المرصع بالكثير من الجواهر  الثمينة .
 
• فكما قال عليه الصلاة والسلام: {إن لكل دين خلقاً، وإن خلق الإسلام الحياء}.
 
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً، يقول عنه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:{كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه}.
 
*قال الراغب:  (الحياء انقباض النفس من القبيح).. وقيل: هو خلق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح.
 
 
• و قد حث المولي عز و جل في كتابه الكريم  علي فضيلة الحياء : فقال تعالى : ﴿ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الأحزاب: 53].
 
*(إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) [ (البقرة: 26]
 
(فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء[(القصص: 25]
 
• و كذلك وردت في الكتاب المقدس ( الإنجيل )  آيات تحث علي الحياء:
 
"لا تستحي حياء به هلاكك" (سفر يشوع بن سيراخ 4: 27)
 
*"اَلصِّدِّيقُ يُبْغِضُ كَلاَمَ كَذِبٍ، وَالشِّرِّيرُ يُخْزِي وَيُخْجِلُ" (سفر الأمثال 13: 5)
 
فكما كنا نسمع دوماً عن آبائنا و أجدادنا  المقولة الشهير، ( إذا لم تستحي فافعل ما شئت ).
 
و قد صدق القول بحق فمن يتخلي عن حيائه لا يبالي بأفعاله أياً كانت و لا يبالي أن يتأذي بها من حوله و لا يهتم  بعواقب تصرفاته و لا نظرة المجتمع له علي الإطلاق !
 
فقد كنا  منذ زمنٍ ليس ببعيد نري الحياء  في أوجه الناس و سلوكياتهم  و خاصة النساء اللاتي كان الحياء من أهم  و أبرز صفاتهن  ، فقد كان بحق خجلهن له حُمرةٌ  جميلة تعلو خدودهن  حينما يستلزم الأمر .
 
أما الآن فقد طغت تطورات العصر الحديث علي كل القيم و العادات و التقاليد العتيقة التي تربينا عليها  و لم تترك لها أثر  في نفوس الغالبية العظمي اللهم  إلا قليلا !، فلم  تعد هناك اعتبارات تضعها البنت بحسبانها  لتحتفظ بصفاتها المفترضة كأنثي و علي رأسها الحياء الذي كان، حيث باتت تصرفاتها في كثير من الأحيان أشد عنفاً من الرجال و أكثر تبجحاً و جرأة !
و هذا ما لا يليق شكلاً و موضوعاً بطبيعتها التي خلقها عليها الله و التي من المفترض أن تكون أكثر رقة و أشد حياء .
 
و كما ذكرت أن الحياء قيمة أخلاقية شديدة الأهمية فهي من أهم أسباب السلام الإجتماعي ، فعندما يكون المرء حيّي غير متطاول أو مكشوف الوجه يكون غير مثير للمشاكل و استفزاز الآخرين من حوله، مما ينعكس إيجابياً علي شكل المجتمع، فتختفي منه  الصدامات و يتحسب كل واحد للآخر  احتراماً و تقديراً و خجلاً.
 
فعندما كان الزمن طيباً،  كان الجميع يمشي علي استحياء  و يضع باعتباره دائماً و أبداً  مشاعر الناس و يراعيها و  يستحي أن يجرحها بشكل أو بآخر  مما يخلق حالة من الوئام  و تبادل المحبة و الإحترام  بين الجميع  ، فكان  من يشذ عن هذا النسق المتين يعد خارجاً عن المألوف و مغرداً خارج  السرب، أما الآن و في ظل موجة التبجح و انكشاف الوجه و اختفاء الخجل و انعدام الحياء ، لم يعد هناك من يراعي مشاعر حتي أقرب الأقربين له و لم يعد هناك احترام و استحياء من الكبير  و لا عطف و رحمة بالصغير  ، فحقاً  بات كل شخص يفعل ما يشاء و ما يحلو له دون مراعاة الآخرين و دون وضعهم بأي اعتبار  مما يزيد و يضاعف من حالة التحفز  التي يشحن بها كل شخص نفسه ضد الآخر دون أي أسباب منطقية و لكن تحسباً  لأي فعل حتي و إن كان لا يستدعي هذا التحفز.
 
فهل لنا من عودة أعزائي لإحياء  مكارم  الأخلاق  و علي رأسها (الحياء ) لنستعيد هدوئنا و سماحتنا و استقرارنا  و ننفض  غبار  السنوات الذي تراكم طبقات فوقها طبقات ليخفي و يمحي آثار الزمن الطيب بكل قيمه و سلوكياته و أخلاقياته،تلك التي كانت الضامن الوحيد لتماسك و ترابط و استقرار  هذا الشعب الطيب و هذه الأرض الطيبة ؟.
 
 
• و خير ختام  لمقال اليوم  عن فضيلة الحياء ، كلمات الحييّ الأمين محمداً صلي الله عليه و سلم :عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ» أخرجه الترمذي والبيهقي.
 
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ». أخرجه البخاري.
 
            
                و إلي لقاء قريب مع فضيلة أخلاقية جديدة من مكارم  الأخلاق .
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة