لم يكن عام 2018 عاما سهلا على تركيا، فقد حملت هذه السنة رياح عاتية، أثارت الكثير من المشكلات والصراعات والأزمات المتعاقبة للنظام التركى الجديدة الذى تحول من برلمانى إلى نظام رئاسى يهمين عليه الرجل الواحد ويحكم بقبضة حديدية يبطش بمعارضيه، ووسط تناحر واستقطاب سياسى كبير فى الداخل، وأوضاع سياسية مضطربة امتدت منذ محاولة الإطاحة بحكم رجب طيب أردوغان منتصف يوليو 2016، وحتى نهاية 2018، أصبح السؤال وهو "ماذا جنت تركيا من حكم أردوغان؟".
نظام رئاسى ديكتاتورى
دخلت تركيا إلى نفق مظلم بعد أن هيمن الرئيس رجب طيب أردوغان على النظام منفردا بالسلطة يحقق الحلم الذى راوده لعشرات السنوات، بعد أن تمكن من تمرير تعديل دستورى يصب فى صالحه أولا فى أبريل 2017 وافقت عليه أقلية، ضاربا بعرض الحائط الأصوات المعارضة لخطوات تحويل النظام السياسى لنظام الرجل الواحد فى يوليو 2018، وأدى ذلك إلى أن تربع أردوغان على هرم السلطة وامسك بقبضته كل الصلاحيات فى البلاد، وكان أبرز الإجراءات التى اتخذها بعد ذلك هى استبدل النظام قانون الطواري بقانون مكافحة الإرهاب ليكون آداة جديدة للقمع.
الاستبداد وقمع المعارضة
خطوة التحول للنظام الرئاسى أدت إلى المزيد من الديكتاتورية، إذ تركز كافة الصلاحيات فى يد الرئيس بموجب التعديل الدستورى لعام 2017، وبعد أن فاز أردوغان فى الانتخابات الرئاسية فى يونيو 2018 ازدادت وتيرة القمع والتنكيل بمعارضى الرئيس فى الداخل وملاحقتهم وتصفيتهم فى الخارج، والتضييق المستمر على الحريات والاعتقالات. وخلال هذا العام كثفت الأجهزة الأمنية التركية عملياتها النوعية خارج تركيا لتصفية المعارضة، وقامت باختطاف عناصر معارضة للنظام التركى وتصفية آخرين، ففى يوليه، فضحت وكالة (نوفينا) الأوكرانية للأنباء الإجراءات الأخيرة التى قام بها جهاز الاستخبارات التركى حيث نفذ عملية سرية، وقام من خلالها باختطاف شخصين فى أوكرانيا بتهمة انتمائهما لحركة الخدمة المعارضة للنظام، ورحلهما إلى تركيا، دون علم السلطات الأوكرانية.
عملية أوكرانيا لم تكن الأولى بل قام جهاز القمع الاستخباراتى فى تركيا باختطاف كثير من العناصر المعارضة، وشهدت الأشهر الأخيرة من العام ترحيل أكثر من 80 مواطنا تركيا من أنصار حركة الخدمة المعارضة المقربة من الداعية فتح الله جولن، من 80 دولة إلى تركيا، بحسب تصريح لنائب رئيس الوزراء السابق بكر بوزداغ فى أبريل الماضى.كما نفذ جهاز المخابرات التركى عملية اختطاف وترحيل 6 أتراك من كوسوفو قبل 3 أشهر خلال عملية سرية أثارت أزمة سياسية فى بريشتينا حيث نددت وسائل الإعلام بـ"عملية خطف" وأشعلت الرأى العام الدولى وأقيل على إثرها مسئولين كبار فى كوسوفو بينهم رئيس المخابرات ووزير الداخلية، وتم توقيف 3 أشخاص فى مارس فى الجابون وأعيدوا إلى تركيا فى أبريل مع عائلاتهم.
اعتقالات تعسفية ودعم الارهاب
تسبب التنكيل والاعتقالات التعسفية بحق المعارضة إلى هروب الكثير منهم إلى بلدان أوروبية عقب محاولة الجيش الإطاحة بأردوغان، ومنذ يوليو 2016 بدأ النظام حملة تطهير للمعارضة داخل وخارج تركيا استمرت فى عام 2018، تم على إثرها فصل 7 آلاف ضابط و150 لواء من الخدمة فى الجيش، يقف ولم التنكيل بالجيش التركى على يد نظام أردوغان عند الإقصاء من المؤسسة العسكرية، بل امتد إلى عملية اعتقالات تعسفية لم تتوقف على مدار العام حيث اعتقل النظام 50 ألفا و510 أشخاص من بينهم 169 برتبة جنرالا و7 آلاف و9 برتبة عقيد و8 آلاف و815 فرد أمن، بالإضافة إلى 24 واليا و73 نواب و116 محافظا 2431 قاضيا ومدعيا عاما.
عقوبات أمريكية
جلبت سياسة أردوغان العقوبات إلى بلاده، فقد اغسطس فرضت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على وزيري العدل والأمن الداخلي التركيين، على خلفية احتجاز القس الأمريكي أندرو برانسون في تركيا، في أكتوبر 2016، القس الأمريكي، لاتهامه بمساعدة التنظيم السري لأتباع الداعية المعارض فتح الله غولن (المقيم في الولايات المتحدة)، كما فرض ترامب، عقوبات اقتصاديّة، وقال في تغريدة على حسابه في موقع "تويتر": "أصدرت أمرًا بمضاعفة رسوم الصلب والألومنيوم على تركيا، في وقتٍ تنهار فيه الليرة أمام دولارنا القويّ جدًا".وأضاف بأن الضريبة على الألومنيوم سترتفع بـ٢٠٪، بينما سترتفع على الصلب بـ٥٠٪.
انهيار اقتصادى
فى النصف الثانى من عام 2018 دخل الاقتصاد التركي مرحلة خطرة للغاية، في ظل تسارع انهيار الليرة أمام الدولار، عقب قرار الولايات المتحدة الأمريكية بمضاعفة رسوم وارداتها من منتجات الصلب والألومنيوم التركي، فهبطت الليرة التركية أمام الدولار بمعدل بلغ 49% وسط تفاقم المديونيات التركية، التي بلغت بحسب البنك المركزي التركي 452.7 مليار دولار، تمثل 53.2% من الناتج الإجمالي، 57% من هذه القروض على الشركات، والتي يهدد انهيار الليرة مراكزها المالية عرض بعض شركاتها للإفلاس، كما سجّلت البورصة التركية تراجعا كبيرا.
مقاطعة السياح لأسطنبول
تكبدت السياحة فى تركيا على مدار العام المنصرم خسائر فادحة، متأثرة بالأزمات السياسية والأمنية المتتالية التى تقف ورائها سياسات الدكتاتور التركى، وبحسب تقارير لشركة "ForwardKeys" المختصة بتحليل معلومات السفر، إنهار عدد السياح الذين دخلوا تركيا عن طريق المطارات بنسبة 21%، وتراجعت حجوزات الفنادق من قبل السياح بنسبة 69%، وتراجعت إيرادات قطاع السياحة التركى بواقع 27.2%، أسباب عديدة جعلت السياح يعزفون عن تركيا التى كانت مدينة اسطنبول الوجهة السياحية الأولى قبل أن تصبح مدينة أشباح تموج بعدد من الجرائم المسلحة وتعج بالكثير من جرائم الاغتيالات السياسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة