تبدو تلك الزاوية رائعة لالتقاط الصورة الأهم لخطوات الرئيس، فلا صورة أهم للإنسان، أى إنسان، من الصورة التى يبدو فيها ثابتا، محددا، يعرف طريقه، صريحا، منكرا لأى فكرة أخرى تعلو فوق مصلحة الوطن.
من زاوية خوض معركة المصارحة مع الناس إلى آخر نفس مهما كانت النتائج تبدو صورة الرئيس السيسى أوضح، فى قلب مجتمع اعتاد لسنوات طويلة أن يداعبه المسؤولون الكبار بكلمات التودد والتفخيم والتعظيم، حفاظا على نسب شعبية لا يطولها الصدام ولا تخدشها المكاشفة بالحقيقة.
فى كل مرة يطل فيها الرئيس متحدثا لجموع الناس أثناء افتتاح إحدى المشروعات التنموية، يظن البعض أن الرئيس سيتوقف عن إعلان الأرقام التى قد تبدو صادمة، ويظن البعض الآخر أن الرئيس لن يتحدث مجددا عن ضرورة التحمل والصبر والمشاركة، ولن يقول عبارته الشهيرة ادفع مقابل الخدمة التى تقدمها الدولة، ويتخيل الغالبية منا أن الرئيس لن يفعلها فى هذه المرة ولن يوجه اللوم لبعض فئات المجتمع، استنادا إلى الآثار الجانبية لمرات سابقة تنتهى بحفلات من التنكيت والغضب الذى يرى البعض أنه يؤثر فى شعبية الرئيس السيسى.
يحدث ذلك فى كل مرة، ومع ذلك يطل علينا الرئيس بنفس منهجه مصارحا، مكاشفا متحدثا عن شراكة بين الدولة والشعب من أجل بناء المستقبل يتحمل كل فيها مسؤوليته التاريخية، منتقدا لبعض السلوكيات المجتمعية سواء فيما يتعلق بالاستهلاك مرة أو بالصحة البدنية مرة أخرى، أو بتنظيم النسل بتكرار لا نفهم منه سوى أن عبد الفتاح السيسى لا يخشى على ما يمكن تسميته بتصريحات الشعبية بقدر ما يخشى على المجتمع ذاته ومستقبل الوطن نفسه.
فى الافتتاح الأخير لمشروع بشائر الخير بالإسكندرية، سار الرئيس فى نفس طريقه مع إضافة توحى بإصرار أشد حينما أوضح للناس أنه شاهد وتحمل «حفلة النكت الكبيرة» التى تعرضت لها تصريحاته بخصوص الحديث عن السمنة والوزن الزائد وصحة المصريين، قالها الرئيس نصا: «لما اتكلمت على موضوع السمنة، حجم النكت اللى طلع من المصريين فوق الخيال»، وكأنه يصدر قرارا مستقبليا بأنه لن يتوقف عن الحديث فيما يخص مصلحة الوطن حتى ولو كان لذلك تأثيرا على الشعبية كما يقول البعض، قالها الرئيس بوضوحا أكثر حينما شدد على أن بناء مصر أهم من الشعبية، ولا يقول ذلك إلا مخلصا فيما يفعل.
قال الرئيس ما يخشى كثيرون من قوله خوفا من الصدام مع المجتمع، بعض أهل الإعلام والمؤسسات الدينية يخشون ذلك، ولكن الرئيس قالها نصا فى الإسكندرية: «مش تفكرى هاتجيبى الستة تنيميهم فين؟، إحنا بنحل مسألة لكن لازم كلنا نتوقف، مجتمع مدنى، مساجد، كنائس، إعلام، حد يقول ميتعلموش، ولكن مقدرش لازم نعملهم، وأنتِ بتحكى الحكاية كأن أنا أو الدولة مقصرين فى حقك.. لأ والله، أنتِ اللى مقصرة فى حق نفسك، إنتِ قاعدة فى أوضة، تجيبى 4، تنيميهم إزاى؟ تعلميهم إزاى؟ تصرفى عليهم إزاى؟، فيه حد يقول متتكلمش الكلام ده خلى الناس تحبك، والله ربنا مطلع علىَّ، وعالم ده مصلحة ولا مش مصلحة؟.
من نفس الزاوية لم تتغير صورة الرئيس كرجل دولة قرر أن يعالج مشاكلها وأمراضها من الجذور وليست بالمسكنات، وفى عالم السياسة دوما الحلول المسكنة المرضية للناس هى الحل السحرى لجلب الشعبية، ولكن السيسى كان واضحا منذ يومه الأول رغم كل الانتقادات سيعمل على إعادة بناء الدولة بعد أن أنهكت الحلول المسكنة جسدها وهددت مستقبلها، لذا لم يكن مستغربا حديث الرئيس بصراحة منتقدا بعض المسؤولين وهو يتحدث عن أموال الدولة المهدرة بسبب تصرفات بعض المسؤولين قائلا: «أنا مش زعلان من الناس بل زعلان علينا وعلى حالنا عن الناس بتستبيح وفاكرة إن المال دا مش حرام.. لا دا مال حرام.. وتروح تحج وتعمل عمرة.. أنت بتاكل المال اليتيم بتاع الدولة».
إذن هى صورة واضحة، ومنظومة يؤسس عليها رئيس الجمهورية خطواته وتحركاته، ربما لا تعجب البعض، ربما يراها أخرون كما قال الرئيس سببا فى انتقاص الشعبية والمحبة، ولكن الأهم ما يراه هنا أهل الإخلاص والوعى، المهم أننا أمام صورة لرئيس يعتمد المصارحة منهجا حتى ولو أغضبت البعض، ويرفض العلاج بالمسكنات حتى ولو كان لمصلحته الشخصية لأنه لا شىء يجب أن يعلو فوق مصلحة الدولة، وتلك هى نعمة مصر الكبرى الآن التى نريد تعميمها، نريد رجالا يتحركون فى مساحات مناصبهم دون نظر إلا إلى مصلحة الوطن والناس والمستقبل قبل أى شىء وكل شىء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة