قررت إمارة قطر الانسحاب من منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، فى خطوة ربما تستهدف الجهود الدولية والعالمية لاحتواء أزمة النفط العالمية، والتى تقوم فى الأساس على تخفيض إنتاج النفط فى المرحلة الراهنة، وهو الأمر الذى نجحت المملكة العربية السعودية، والتى تعد الدولة المهيمنة على الأوبك، فى الاتفاق بشأنه مؤخرا مع روسيا، خلال اللقاء الذى جمع بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، مع ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، بالعاصمة الأرجنتينية بيونيس آيرس، على هامش قمة مجموعة العشرين.
الخطوة القطرية جاءت لرغبة الإمارة الخليجية فى زيادة الإنتاج من الغاز المسال، بحسب ما ذكر وزير الطاقة القطرى سعد الكعبى، وهو الأمر الذى لا يروق لباقى الدول الأعضاء فى المنظمة المصدرة للنفط، فى ظل الاتجاه الواضح لديهم نحو الاتفاق على الاحتفاظ بمعدلات منخفضة من الإنتاج خلال الاجتماع المقبل للمنظمة، والمقرر خلال يومى 6 و7 ديسمبر الجارى.
مغازلة أمريكا.. القرار ليس قطريا خالصا
ولعل الخطوة القطرية تمثل محاولة جديدة من تنظيم "الحمدين" الحاكم بالدوحة لمغازلة الولايات المتحدة، فى ظل رغبة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى زيادة الإنتاج من النفط، فى المرحلة الراهنة، تزامنا مع العقوبات المفروضة على طهران، وذلك لأسباب تتعلق بأسعار السلعة الاستراتيجية، حيث يرى الرئيس الأمريكى أن استمرار انخفاض معدلات الإنتاج يمثل السبب الرئيسى فى ارتفاع أسعار النفط، بصورة مبالغ بها، وهو الأمر الذى يترك تداعيات كبيرة على الاقتصاد الأمريكى.
إلا أن نداءات الرئيس الأمريكى ربما لم تجدى صدى كبير لدى دول المنظمة، والتى تجاهلت دعواته خلال الاجتماع الذى عقدته فى شهر سبتمبر الماضى مع منتجى النفط من غير الأعضاء، كما أن الاتفاق السعودى الروسى الأخير كان بمثابة النهاية للطموح الأمريكى، فى زيادة الدول المصدرة لإنتاجها فى المرحلة المقبلة من أجل ضبط الأسعار فى الأسواق العالمية، وبالتالى جاء القرار القطرى ربما بناءا على إملاءات أمريكية، وهو ما لم تجد الإمارة مفرا من الاستجابة، فى ظل حاجتها لدعم واشنطن فى ضوء ما تعانيه من عزلة إقليمية فى المرحلة الراهنة بفضل قرار المقاطعة التى تتخذه بصددها الدول العربية الداعمة لمكافحة الإرهاب.
ولعل قرار الانسحاب من المنظمة فى ذاته دليلا دامغا على أن الموقف ليس قطريا خالصا، خاصة وأنه يمثل استلهاما قطريا للنهج الذى تتبناه إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى التعامل مع المنظمات الدولية التى تتبنى مواقفا مناوئة له، حيث انسحبت واشنطن من عدة اتفاقات دولية، وعلى رأسها المجلس الدولى لحقوق الإنسان، واليونيسكو، بالإضافة إلى الاتفاق النووى الإيرانى، وكذلك اتفاقية باريس المناخية.
عزلة أكبر.. قطر تواصل التغريد خارج السرب
القرار القطرى يحمل تداعيات كبيرة على الإمارة الخليجية سواء على المستوى السياسى، أو الاقتصادى، ففى الوقت الذى يحاول فيه تنظيم الحمدين شراء الدعم الأمريكى لإنهاء حالة العزلة التى يعانيها فى المرحلة الراهنة، فإنه يضع نفسه فى عزلة أكبر، ليس فقط فى محيطة الإقليمى، ولكن على نطاق أوسع، فى ظل حالة الغضب المتوقعة من الدول أعضاء المنظمة من القرار، والذى يمثل خروجا عن إجماع المنظمة، كما أنه جاء مفاجئا دون أى تنسيق سواء مع المنظمة أو دولها.
وتمثل محاولات قطر التقرب من الولايات المتحدة، على حساب ليس فقط محيطها الدولى والإقليمى، ولكن ربما على حساب سمعتها ومصداقيتها، ليس بالأمر الجديد تماما، فقد سبق لتنظيم "الحمدين" وأن سعى نحو مغازلة واشنطن عبر استقطاب عناصر اللوبى الصهيونى الأمريكى، واستضافتهم على أراضيها، وذلك فى إطار محاولتها تحسين صورتها أمام الإدارة الأمريكية، خاصة وأن اليهود الأمريكيين يمثلون أحد محاور القوى التى يعتمد عليها الرئيس ترامب فى حربه السياسية مع خصومه الديمقراطيين، كما أنهم لعبوا دورا بارزا فى فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية قبل عامين على حساب منافسته آنذاك هيلارى كلينتون.
انهيار اقتصادى.. قطاع الطاقة سيواجه تحديات كبيرة
أما على المستوى الاقتصادى، يبقى قرار الانسحاب من المنظمة الدولية صفعة كبيرة للاقتصاد القطرى فى المرحلة الراهنة، خاصة فى ظل رغبة الدوحة فى الخروج عن إجماع الدول المصدرة للنفط، سواء من أعضاء أوبك أو غيرهم، حيث سيساهم بصورة كبيرة فى انخفاض أسعار الغاز، وهو الأمر الذى من شأنه مواصلة الانهيار الاقتصادى الذى تعانيه الدوحة جراء المقاطعة العربية فى الأشهر الماضية.
كانت العديد من القطاعات الاقتصادية فى قطر قد تعرضت لخسائر كبيرة فى الأشهر الماضية، على رأسها قطاع السياحة والطيران، بالإضافة إلى البنوك، وهو الأمر الذى بدا واضحا فى الانهيار الكبير الذى شهدته السيولة المالية فى البنوك القطرية، والتى دفعت البنك المركزى القطرى إلى ضخ ملايين الدولارات فى البنوك حتى تتمكن من تخطى الأزمة، بالإضافة إلى انهيار أسهم البنوك القطرية، وبالتالى فأن القرار القطرى، سيدفع بصورة كبيرة خسائر جديدة فى قطاع الطاقة، والذى يمثل أحد أهم مصادر الاقتصاد القطرى، والذى تعتمد عليه الدوحة بصورة كبيرة للحصول على النقد الأجنبى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة