عندنا تصور خاطئ وخطير جدا وهو مسؤول عن كل الكوارث التى نعانى منها، أن الناس تتصور أن عليها أن تخطئ ولا تحاسب، عليها أن تضع أيديها على أراضى الدولة ثم تنتظر أن يتم التقنين لها، وتتصور أنها يمكن أن تبنى على أراضٍ زراعية ثم لا يتم اتخاذ إجراء ضدها لا بالهدم أو بالهدم والغرامة والإحالة للمحاكمة معا، بل تتصور أنها عندما تبنى على الأراضى الزراعية ستجبر الدولة على إدراج مزيد من أراضى الرقعة الزراعية فى كردون المدينة، وأن الدولة عندما ستجد أعدادا كبيرة من المواطنين يفعلون ذلك ستنصاع إلى إرداتهم أو تتغاضى عن جريمتهم.
ورغم أن الدولة وأجهزتها تعمل المستحيل لهدم العشوائيات وبناء مناطق مخططة ومدنا جديدة لاستيعاب الزيادة السكانية، إلا أن هناك مواطنين يتكالبون على بيع وشراء الأراضى وبنائها دون ترخيص ودون تخطيط وهم يقيمون أبراجا بارتفاعات تصل إلى عشرين دورا فى النزهة والشوارع عرضها لا يتجاوز أربعة أمتار ويبيعون الوحدات السكنية للمواطنين، وفجأة نجد حول القاهرة بقعا ومستعمرات عشوائية جديدة شديدة الكثافة مع ما يعنيه ذلك من ضغوط جديدة على البنية الأساسية للقاهرة التى تشهد تهالكا وتحتاج إلى إعادة إحلال وتجديد.
لماذا يتصور المواطنون أن من حقهم البناء دون ترخيص؟ لماذا يتصورون أن من حقهم وضع أيديهم على أراضى الدولة؟ ولماذا يتعامل مواطنون آخرون فى هذه الأملاك بالبيع والشراء وهم يعلمون حجم المخالفات التى ارتكبها المالك الأصلى؟ باختصار لأن الجميع يعلم أنه آمن من العقوبة التى ينص عليها القانون فى بعض الأحيان بالحبس والغرامة أو الغرامة والهدم.
الرئيس السيسى خلال افتتاحه مشروع «بشائر الخير 2» بالإسكندرية، تساءل مندهشا «وأنا جاى بالطائرة رأيت المناطق غرب المطار وجنوبه، فى النزهة.. الناس بتبنى.. بيبنوا إيه.. الأراضى غير مخططة، ولم يحصلوا على تراخيص، فلماذا يصمت المسؤولون؟.. عشان هما كتير؟.. يعنى هيغلبوا بالكثرة؟»، موجهًا حديثه لمدير أمن الإسكندرية والداخلية: «الكلام دا فيه تجاوز شديد، الناس تعودت عليه ولم يعد مقبولاً الآن.. هنفضل تعبانين ودولة تعبانة.. الناس بتعمل الغلط.. اللى إحنا بنعمله دا صح وترفيق الأراضى والترخيص هو دا الصح.. نحن فى مصر تعودنا على إننا نغلط، والبعض يظن أن الدولة لن تفعل شىء بسبب الأعداد الكبيرة.. والكلام دا لازم ينتهى فى الدولة دى إذا كنتم تريدون أن تبقى مصر دولة ذات قيمة ومكانة.. الكلام دا للمسؤولين والمواطنين ومش معقول عاوزين تحطوا فى جيبكم بس».
نكون أو لا نكون هذا هو السؤال، مصر تصبح دولة ذات قيمة ومكانة أم تنهار على رؤوسنا خلال سنوات قليلة ؟ ماذا يفعل المسؤولون من المحافظين ومديرو الأمن وانتهاء برؤساء الأحياء وهم المفترض أنهم يمرون على هذه الأماكن يوميا ويشاهدون عمليات وضع اليد والبناء العشوائى وزحف العمران الحرام على الأراضى غير المخططة؟
الحل أن يعمل كل واحد شغله، وألا يقبل المسؤول بالخطأ حتى لو ارتكبه كثيرون، ولا يصح أن يصبر المسؤول على الخطأ الفردى ليصبح أخطاء وجرائم لمجموعات كثيرة من الناس، كما يجب أن يعرف المواطنون أن الدولة لها حقوق وأن القانون له سطوة وأن من يحاول الالتفاف على حقوق الدولة أو مخالفة القانون سيدفع الثمن من ماله أو ممتلكاته أو بقانون العقوبات، والبداية بإزالة كل العمارات والأبنية المخالفة مهما كان عددها ولابد أن يعرف الناس فى جميع المناطق العشوائية وغير المرخصة أن مصير ما بنوه هو الإزالة مع وضع مناطق فى القائمة السوداء لمنع الناس من تداولها بالبيع والشراء.
«الحق حق وإن لم يتبعه أحد، والباطل باطل وإن اتبعه كثيرون»، نعم يا سيادة الرئيس عندك حق، لابد أن نرسى المنطق الصحيح فى البلد على الجميع وأن ترتفع سطوة القانون لحماية الجميع ومنع أى أحد من التجاوز، لأن المتجاوز الذى يحقق مكسبا شخصيا بمئات الآلاف أو بالملايين يكبد الدولة خسائر بالمليارات ويقضى على فرص التنمية لأولادنا فى المستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة