تتواصل سقطات المبعوث الأممى إلى ليبيا غسان سلامة منذ توليه مهام منصبه، وذلك بعد تعويل الأطراف السياسية الليبية وعدد من الدول الاقليمية والدولية على سلامة، لكن الأخير فشل فشلا ذريعا فى التوصل لحل للأزمة الخانقة التى تعصف بالبلاد.
ومنذ تولى غسان سلامة لمهام منصبه تحولت البعثة الأممية إلى طرف وسيط دوره خلق مناخ مناسب يدفع الأطراف المتناحرة للتوافق والتشاور، إلى جزء رئيسى من الأزمة الليبية وطرفا فى الصراع وهو ما أفقد البعثة الأممية حيادها بشكل كامل.
ويحاول غسان سلامة التعاطي مع الأزمة الليبية عبر تنظيم الملتقى الوطنى الجامع الشهر المقبل، وذلك دون وجود أى استراتيجية واضحة للبعثة حول الملتقى الوطنى، فضلا عن عدم تغطية البعثة الأممية لكافة المدن الليبية لتتحقق عدالة التوزيع والنسبة والتناسب، واعطاء الدور الأبرز لتيار الإسلام السياسى وأنصار النظام السابق.
حقيقة مركز الحوار الإنسانى راعى الاجتماعات
أسند المبعوث الأممى إلى ليبيا غسان سلامة إلى مركز الحوار الإنسانى فى جنيف مهمة تيسير الاجتماعات بين الأطراف الليبية للاعداد للمؤتمر الوطني الجامع، والغريب فى الامر أن سلامة اختار مركز الحوار الإنساني الذي يحظى بدعم وتمويل ضخم من قطر منذ تأسيسه عام 1999م.
وبدأ المركز في تنظيم لقاءات واجتماعات سواء داخل ليبيا أو خارجها فى الفترة من أبريل 2018 وحتى يوليو 2018، وذلك دون وجود عدالة توزيع بين المدن الليبية والتركيز على المدن التى يسيطر عليها تيار الاسلام السياسي وخاصة في غرب البلاد.
ومن خلال متابعة وتدقيق البحث فى التقرير النهائى الصادر عن المركز حول الملتقى الوطنى الجامع، وجدنا ثغرات كبيرة حول الاجتماعات التي نظمها المركز وتم تهميش جزء كبير من المكونات الليبية والتركيز على مكونات آخرى أبرزها الإسلاميين وأنصار النظام السابق والأقليات.
ويحرص المركز على لقاء المسؤولين القطريين لتوفير سبل الدعم المالي اللازم له، مما يفقد المركز جزءا من استقلاليته التى يروج لها عبر موقعه الالكترونى، وقد شارك المركز فى تحركات قادتها قطر فى السودان ولبنان والفلبين والصومال وميانمار.
تعزيز نفوذ تيار الإسلام السياسى
بالعودة إلى التقرير النهائى لمركز الحوار الإنسانى حول الملتقى الوطنى الليبى، تلحظ تخصيص عدد كبير من المقاعد للمشاركين فى المدن التى تسيطر عليها التيارات الإسلامية، وتهميش المدن الهامة والتى تحظى بقوى ليبرالية ومدنية وخاصة طرابلس العاصمة، فضلا عن تعزيز مشاركة منظمات المجتمع المدنى والتى تحظى غالبيتها بدعم خارجى.
ولم يهتم مركز الحوار الإنسانى بتنظيم أية لقاءات او اجتماعات فى مدينة اجدابيا وتهميشه لمدينة المرج والقبة والاكتفاء بالإشارة لاجتماعات فى الجبل الأخضر دون تحديد عدد المشاركين من كل مدينة، فضلا عن عدم الاهتمام بعقد اجتماعات مع مهجري تاورغاء والاكتفاء بعدد قليل لممثلي مصراتة مقارنة بمدن الخمس وجنزور.
دمج الكتائب المسلحة فى الأجهزة الأمنية والعسكرية
وروج مركز الحوار الإنسانى فى تقريره النهائى لفكرة دمج مسلحى الميليشيات فى المؤسسات الأمنية والعسكرية الليبية، دون الإشارة لأي خطط حول كيفية تأهيل تلك العناصر وضمان ولائها للوطن، والاكتفاء بالإشارة لضرورة وضع امتيازات مالية لتلك العناصر لدمجها فى قوات الأمن.
وِأشار التقرير النهائى للمركز إلى أن المشاركين فى اجتماعات مركز الحوار الإنسانى يطرحون فكرة انشاء هيئة تتولى عملية دمج المسلحين، وهو ما يفتح الباب لخلق كيانات مسلحة موازية للقوات الأمنية والعسكرية فى ليبيا وهو يعد استنساخ لتجربة العراق حول دمج الحشد الشعبى للقوات الأمنية، وهى الفكرة التى لم تنجح بعد فى ضمان ولاء المقاتلين للوطن بشكل كامل.
طرح المحاصصة .. تكرار خطيئة العراق
والملاحظ فى تقرير مركز الحوار الإنسانى أن بعض الأطراف الليبية بمشاركة الأمم المتحدة تحاول تكرار سيناريو المحاصصة المطبق فى العراق ولبنان، وذلك بالدعوة لما يعرف بتوزيع الثروة والسلطة بين المكونات الليبية، فضلا عن محاولة تعزيز دور اللامركزية عبر منح دور أكبر للبلديات والتى تهيمن عليها عناصر تابعة للإسلام السياسى، وهو النموذج الذى فشلت العراق فى تطبيقه بشكل كامل.
ويبدو أن غسان سلامة يحاول تطبيق رؤيته للمحاصصة خلال فترة تواجده فى العراق والتى دفعت بالبلاد إلى حالة كارثية، وفى حال تطبيقه على ليبيا ستنهار البلاد بالكامل، وذلك لاعتبارات عدة أبرزها الشخصية الليبية التى تختلف عن العراق وطبيعة المكونات القبلية فى البلاد التى تختلف عن القوى العشائرية بالعراق، أضف إلى ذلك فشل فكرة توزيع المناصب فى ليبيا على أساس عرقى أو مناطقى وقد تجلى ذلك بشكل كبير فى تشكيل المجلس الرئاسى برئاسة السراج.
اللعب على وتر الأقليات
وتتضمن التقرير النهائى لمركز الحوار الإنسانى بنود تركز على فكرة إحياء حقوق الأقليات، ومحاولة الترويج لضرورة منح الأقليات والفئات المهمشة حقوقها، وهو ما يفتح الباب لليهود أو الأمازيغ أو التبو والطوارق لرفع مطالب فئوية وتعويضات يمكن أن تدفع نحو تمزيق النسيج الاجتماعي لليبيا بشكل كامل.
القفز على الترتيبات الأمنية يجهض أي تحركات لحل الأزمة
منذ اندلاع الصراعات المسلحة فى العاصمة طرابلس بين الميليشيات الرئيسية الأربعة وقوات اللواء السابع المنحدرة من ترهونة، وقعت بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا برعاية غسان سلامة اتفاقا لوقف إطلاق النار ووضع ترتيبات أمنية فى العاصمة الليبية.
لم تنجح الترتيبات الأمنية فى نزع فتيل الأزمة والدليل على ذلك تشكيل الميليشيات المسلحة لجسم عسكرى يحاول فرض نفسه فى الساحة الليبية وخاصة فى طرابلس، فضلا عن كثرة حوادث الاغتيالات الممنهجة ضد عسكريين وقيادات أمنية سابقة، وانتشار العمليات الإرهابية والتفجيرات وآخرها الهجوم على مقر وزارة الخارجية الليبية.
الأخطر هو إصرار غسان سلامة على عقد الملتقى الوطنى الجامع قبيل الانتهاء بشكل كامل من الترتيبات الأمنية وانجاحها، وعدم وجود خطة بديلة حال فشل الملتقى الوطنى الجامع وهو ما سيدفع بليبيا لفوضى عارمة وممنهجة وستنعكس بشكل سلبى على المنطقة بأسرها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة