أصدرت إدارة الجيش كتابا دوريا، يدعو الجمعية العمومية لنادى ضباط الجيش فى الساعة الخامسة مساء 31 ديسمبر- مثل هذا اليوم-1951 بقاعة السينما الصيفى بقشلاق العباسية، حسبما يذكر «عبدالفتاح أبوالفضل» فى كتابه «كنت نائبا لرئيس المخابرات»، مضيفا: «فى الموعد المحدد توجه إلى النادى حوالى 455 ضابطا، وهو أكثر من العدد القانونى الذى يقتضيه صحة اجتماع الجمعية العمومية، وذلك لانتخاب مجلس إدارة جديد للنادى».
يكتسب هذا الحدث أهميته التاريخية لأنه كان اختبارا لقوة تنظيم الضباط الأحرار بقيادة جمال عبدالناصر فى مواجهة الملك فاروق وفساده، ووفقا لرأى لطيفة سالم فى كتابها «فاروق وسقوط الملكية فى مصر»: «جاء فى وقت قرر فيه الضباط الأحرار دخول معركة التحدى كتجربة لسبر غور عود الملك «فاورق» وصلابته من ناحية، ولامتحان قوة التنظيم ولمعرفة أبعاد مواجهته للأزمات من ناحية أخرى».
تؤكد «سالم»: «كان النادى يمثل ثقلا فى العلاقة بين الملك والجيش، ووضح اهتمامه به منذ فترة طويلة ووجه له عنايته الخاصة»، ويذكر أبوالفضل: «كانت لائحة ضباط الجيش حتى آخر عام 1951، تقضى بأن يعين رئيس مجلس إدارة النادى والأعضاء بحكم مراكزهم فى الجيش، وكانت تسخر إمكانياته فى غير صالح القاعدة الكبيرة من الضباط علاوة على إقامة الحفلات الساهرة فى المناسبات الملكية من ميزانية النادى وهى حصيلة اشتراكات الضباط».. يضيف أبوالفضل: «منذ منتصف 1951 كان الجو العام فى البلاد مشحونا بالتحفز الشعبى خصوصا أثناء المقاومة فى القناة، وكان الملك يستعين لفرض إرادته وتهديد خصومه واغتيالهم بزمرة من ضباط الجيش المغامرين، أطلق عليهم الحرس الحديدى، وبلغ من خطورة دور هذا التنظيم الإرهابى أنه عندما اختلف الملك مع أحد أفراد الحرس الحديدى نفسه الضابط عبدالقادر طه، قام الحرس باغتياله بأوامر من الملك».
فى ظل هذه الأجواء انعقدت الجمعية العمومية للنادى لانتخاب مجلس إدارة، وتؤكد سالم: «أعد الضباط الأحرار أنفسهم لإجراء انتخابات حرة..وقاموا بحملة قوية بين زملائهم لصالح مرشحيهم.. وأراد فاروق إسناد رئاسة النادى إلى اللواء حسين سرى عامر وهو من رجاله.. أما الضباط الأحرار فوقفوا وراء اللواء نجيب»، وتقارن سالم بين الاثنين قائلة: «شغل اللواء حسين سرى عامر منصب وكيل سلاح الحدود فى وقت كان فيه اللواء محمد نجيب مديرا لهذا السلاح، حيث اكتشف ألاعيبه واحتياله، إذ دأب على تهريب المخدرات وبيع الأراضى بطرق غير مشروعة، واتهم بشراء الأسلحة المتخلفة من الحرب العالمية وبيعها للجيش بأسعار خرافية، وباتهامات أخرى مثل سرقة ونهب البدو ومصوغات نسائهم والرشوة والتزوير، وكان فاروق يشاركه فى هذه العمليات خاصة مسألة بيع السلاح، ولم يكن مدير سلاح الحدود يعلم بتلك المشاركة، فشكل لجنة تحقيق عام 1950، انتهت بإدانة المتهم، وعندما رفع التقرير إلى الملك طلب له ترقية استثنائية، فرفض نجيب، وعلى الفور لقى جزاءه فرقى حسين سرى عامر مديرا لسلاح الحدود بدلا منه، وأسند إلى نجيب منصب مدير سلاح المشاة، وعندما قرر الاستقالة أقعده عنها عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، كما ناشده محمد حيدر وزير الحربية فى قبول المنصب الجديد، ونقل له شعور الكراهية التى يكنها له فاروق فى مقابل الصلة الوطيدة التى تربطه بحسين سرى عامر».. تضيف سالم: «سبق أن حاول الملك التدخل لدى النائب العام محمد عزمى عندما طلب الأخير من وزارة الحربية يوم 6 مارس 1951 النظر فى محاكمة حسين سرى عامر أمام مجلس عسكرى فى المسائل المنسوبة إليه، ومورست الضغوط على «عزمى» لسحب كتابه من الوزارة، فالتقى به أمين الملك الخاص وأفهمه أن المتهم يتمتع بعطف ومحبة ورعاية مولاه، لكنه لم يلب الرغبة الملكية، وأسهم ذلك فى نقله من منصبه».
وتذكر سالم: «أما اللواء محمد نجيب مرشح الضباط الأحرار، فكانت له سمعته الطيبة وبطولته التى ترددت على الألسنة، ومثلت مواقفه التى تدل على عدم الخضوع لرغبات فاروق وساما على صدره».
هكذا كان المرشحان، وتؤكد سالم: «لما كان أمر الدعاية للانتخابات علنيا، فقد بلغ مسامع الملك ما يمكن أن يحدث، وفى الميعاد المقرر 27 ديسمبر 1951 توجه الضباط إلى النادى، وإذا بإدارته تتلقى الأوامر من إدارة الجيش بإلغاء الاجتماع وتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، لكن الضباط ضربوا عرض الحائط بذلك، وحددوا 31 ديسمبر موعدا جديدا، وبالفعل أجريت الانتخابات فيه، وفاز نجيب برئاسة النادى بجدارة، وفاز خمسة من الضباط الأحرار بمقاعد المجلس، وسقط أذناب القصر، وتوجه الفائزون إلى قصر عابدين وسجلوا أسماءهم فى سجل التشريفات، وكان لتلك الانتخابات دويها الرنان فى أسماع الرأى العام».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة