منظمة أوابك: مصر أكبر سوق للطاقة بالمنطقة وتشهد نموا يحفز على الاستثمار.. وتؤكد: القاهرة نجحت فى تعظيم القيمة المضافة من اكتشافات الغاز.. و"المسح الجيولوجى الأمريكية": 346 تريليون قدم مكعب غاز غير مكتشف

الإثنين، 31 ديسمبر 2018 07:30 م
منظمة أوابك: مصر أكبر سوق للطاقة بالمنطقة وتشهد نموا يحفز على الاستثمار.. وتؤكد: القاهرة نجحت فى تعظيم القيمة المضافة من اكتشافات الغاز.. و"المسح الجيولوجى الأمريكية": 346 تريليون قدم مكعب غاز غير مكتشف عباس النقى امين عام منظمة اوابك
كتبت أسماء أمين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أصدرت منظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول أوابك، دراسة حديثة حول الغاز الطبيعى فى شرق المتوسط، ومن ضمنها اكتشاف حقل ظهر وحقول شمال الاسكندرية فى البحر المتوسط: بعنوان "واقع آفاق الغاز الطبيعى فى منطقة شرق المتوسط".

وذكر الأمين العام للمنظمة عباس على النقى، لقد حظيت منطقة شرق المتوسط بقدر بالغ من الاهتمام فى السنوات الأخيرة، بعد تحقيق عدة اكتشافات متتالية للغاز، مثل اكتشاف " أفروديت" فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، واكتشاف "ظهر" فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية مصر العربية، وغيرهما. فمن الناحية الجيولوجية، تضم منطقة شرق المتوسط حوضى "ليفانت" و"دلتا النيل" الرسوبيين، وهما يمتدان معاً على مساحة 333,000 كم2 شرق البحر المتوسط. وتشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجى الأمريكية إلى أن متوسط حجم مصادر الغاز غير المكتشفة والقابلة للاستخراج فنياً فى الحوضين يقدر بحوالى 346 تريليون قدم مكعب.

 وفى هذا السياق، فإن ما أسفرت عنه أنشطة البحث والاستكشاف من اكتشافات يأتى فى سياق متصل يبرهن على أن المنطقة غنية بالغاز، مما قد يغير من سيناريو الطاقة فى دول المنطقة، وينبئ بإمكانية تحويل منطقة شرق المتوسط ككل إلى محور إقليمي-وربما عالمي-للطاقة

وأضاف "مما لا شك فيه أن مشاريع النفط والغاز تلعب الدور المحورى فى تلبية احتياجات الدول من مصادر الطاقة، ودعم خططها التنموية، وتنفيذ رؤيتها المستقبلية. ولقد شرعت بالفعل بعض دول المنطقة مثل جمهورية مصر العربية فى تنفيذ مشاريع تطويرية لاكتشافات الغاز لديها فى مسعى نحو تأمين احتياجاتها فى السوق المحلى. وفى حال تطوير كافة الاكتشافات الحالية، فمن المتوقع أن يكون هناك فائض عن احتياجات دول المنطقة يمكن تصديره إلى الأسواق المجاورة، وهو الأمر الذى سيعزز من أهمية منطقة شرق المتوسط مستقبلاً على خريطة الطاقة، خاصة إذا ما تحققت اكتشافات جديدة فى ضوء أنشطة البحث والاستكشاف الجارية. وفى هذا السياق، يمكن أن تتحول منطقة شرق المتوسط إلى "محور" يمد أسواق كبرى بالغاز خاصة السوق الأوروبى الذى يسعى نحو تنويع مصادر إمداداته فى إطار خططه الرامية نحو تعزيز أمنه فى مجال الطاقة.

 

وتابع "من هنا تأتى أهمية هذه الدراسة فهى تعطى استعراضاً وتحليلاً شاملاً لأنشطة البحث والاستكشاف عن الغاز فى منطقة شرق المتوسط وما أسفرت عنه من اكتشافات خلال العقدين الماضيين، بالإضافة إلى تقديرات ثروات المنطقة غير المكتشفة من النفط والغاز. كما تتطرق إلى تداعيات اكتشافات الغاز الأخيرة فى منطقة شرق المتوسط على المستويين الإقليمى والعالمى، والسيناريوهات المختلفة لتحويل المنطقة إلى محور عالمى للغاز فى المنظور القريب والبعيد.

وأشار إلى أن الأمانة العامة إذ تصدر هذه الدراسة المتخصصة، فى إطار سعيها الدؤوب نحو رصد وتحليل أبرز المتغيرات والتطورات فى قطاع الغاز الطبيعى بالمنطقة، وما لذلك من تداعيات وانعكاسات على المستويين الإقليمى والدولى، لتوفر مادة ثرية للخبراء، والاختصاصين، وصانعى القرار.

أهداف الدراسة

تهدف الدراسة إلى استعراض اكتشافات الغاز الطبيعى فى منطقة شرق المتوسط خلال العقدين الماضيين، والتى تأتى فى سياق متصل يبرهن على أن منطقة شرق المتوسط بمثابة مقاطعة غنية بالغاز. كما تتطرق الدراسة إلى إمكانية تحويل منطقة شرق المتوسط إلى محور للطاقة يساهم فى تلبية الطلب على الغاز على المستويين الإقليمى والدولى.

تقع الدراسة فى ثلاثة فصول، حيث يتناول الفصل الأول الأحواض الرسوبية فى منطقة شرق المتوسط، ومتوسط تقديرات ثرواتها الهيدروكربونية غير المكتشفة. كما يستعرض الفصل أنشطة البحث والاستكشاف فى منطقة شرق المتوسط، وما أسفرت عنه من اكتشافات.

بينما يتناول الفصل الثانى خطط تطوير الحقول المكتشفة حديثا فى منطقة شرق المتوسط، وبرامجها الزمنية المعلنة، وكيف تساهم فى تلبية الطلب على الغاز فى دول المنطقة.

أما الفصل الثالث، فيتناول تداعيات اكتشافات الغاز فى منطقة شرق المتوسط على المستويين الإقليمى والعالمى، وهل يمكن تحويلها مستقبلاً إلى محور للغاز يساهم فى تلبية احتياجات أوروبا المستقبلية منه، ودعم تنويع إمداداتها والسيناريوهات المحتملة لذلك.

 تطل عدد من البلدان العربية وغير العربية على منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث يحدها من ناحية الجنوب والجنوب الشرقى كل من مصر وقطاع غزة، ومن الشرق كل من فلسطين المحتلة ولبنان وسوريا، ومن الشمال كل من تركيا وجزيرة قبرص، وصولاً إلى اليونان فى أقصى الشمال الغربى.

ونظراً لأهمية منطقة شرق المتوسط البحرية التى تضم حوضين رسوبين هما حوض "ليفانت" Levant، وحوض "دلتا النيل" Nile Delta الموضحين بالشكل-1، واحتمالية احتواءها على ثروات نفطية وغازية كبيرة غير مكتشفة، أصدرت هيئة المسح الجيولوجى الأمريكية (USGS) تقريرين منفصلين فى عام 2010، ضمن برنامجها الموجَه نحو تقييم الأحواض الرسوبية ذات الأولوية حول العالم، وذلك لتقدير مصادر النفط والغاز وسوائل الغاز الطبيعى غير المكتشفة فى الحوضين، واللذان يمتدان معاً على مساحة قدرها 333,000 كم2 فى شرق البحر الأبيض المتوسط.

وفى هذا الصدد، قدرت هيئة المسح الجيولوجى الأمريكية متوسط حجم المصادر الهيدركربونية غير المكتشفة والقابلة للاستخراج فنياً فى حوض "ليفانت" استناداً إلى البيانات الجيولوجية المتاحة، وبيانات آبار النفط والغاز التى تم حفرها فى الحوض بحوالى 1.7 مليار برميل من النفط، ونحو 122 تريليون قدم مكعب من الغاز، بالإضافة إلى 3 مليار برميل من سوائل الغاز الطبيعى.

أما فى حوض "دلتا النيل"، فجاء متوسط تقديرات هيئة المسح الجيولوجى الأمريكية بنحو 1.76 مليار برميل من النفط، ونحو 223.2 تريليون قدم مكعب من الغاز، بالإضافة إلى 5.974 مليار برميل من سوائل الغاز الطبيعى.

 

وبالتالى، يكون إجمالى متوسط المصادر الهيدركربونية غير المكتشفة والقابلة للاستخراج فنياً فى حوضى ليفانت ودلتا النيل معاً حوالى 346 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى، ونحو 3.5 مليار برميل من النفط، بالإضافة إلى 9 مليار برميل من سوائل الغاز الطبيعى كما يوضح الجدول-1.

 كما تعد المنطقة المفتوحة فى القسم الغربى من شرق المتوسط من المناطق التى يعتقد أنها تحتوى أيضاً على مكامن بترولية غير مكتشفة إلى جانب حوضى ليفانت ودلتا النيل الرسوبيين. وهى منطقة بكر لم تشهد أية اكتشافات سابقة، حيث لم يتم حفر سوى بئرين استكشافيين ضمن نطاق المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر.

ويعد حوض هيرودوت الرسوبى (Herodotus Basin) الذى يمتد على مساحة 113,000 كم2 أسفل المياه الاقتصادية الخالصة لكل من مصر، وقبرص، واليونان، أكبر الأحواض بالمنطقة وأهمها من الناحية الجيولوجية بسبب ما يحتويه من تراكيب قد تشكل مكامن محتملة للنفط والغاز. ويحد حوض هيرودوت من الشرق "حوض ليفانت" (جبل إيراتوستينس البحري)، ومن الجنوب الشرقى "حوض دلتا النيل".

بينما يحده من الجنوب منطقة "الجرف" (Shelf Zone)، ومن الشمال "منطقة قمة/أعلى المتوسط" (Mediterranean Ridge) كما هو مبين بالشكل-2، وهو يقع فى مياه يتراوح عمقها بين 1,000 و3,000 متر.

وقد توصلت إحدى الدراسات الحديثة التى اعتمدت على تحليل الحوض من الناحية الجيولوجية، وبيانات المسح السيزمى المتاحة، والتراكيب الجيولوجية المجاورة، والمقارنة مع أحواض مشابهة، إلى أن الحوض يحتوى على مالا يقل عن 122 تريليون قدم مكعب من الغاز، إلا أن ذلك يظل مرهوناً بإجراء عمليات بحث واستكشاف من جانب الشركات الكبرى المتخصصة، وما ستسفر عنه نتائج الحفر الاستكشافى. وإذا صدقت صحة هذه التقديرات، سيرتفع متوسط تقديرات مصادر الغاز غير المكتشفة فى منطقة شرق المتوسط بقسميها الشرقى والغربى إلى 468 تريليون قدم مكعب.

 أجرت الدول المطلة على منطقة شرق المتوسط منذ عقود، عدة دراسات جيولوجية وجيوفيزيائية لتحديد وتقييم مواقع المكامن الجيولوجية المأمولة فى شرق مياه المتوسط. وقد استعانت هذه الدول بكبريات الشركات العالمية المتخصصة فى جمع وتفسير بيانات المسح السيزمى ثنائى وثلاثى الأبعاد مستخدمة أحدث التقنيات المتوفرة فى هذا المجال. وقد أظهرت نتائج المسح السيزمى وجود هيكليات وطبقات جيولوجية واضحة المعالم قد تشكل مكامن محتملة للنفط والغاز.

وفى ضوء هذه النتائج، طرحت دول شرق المتوسط (كل دولة داخل نطاق مياهها الاقتصادية الخالصة) عدة جولات تراخيص لفتح مياه شرق المتوسط لعمليات البحث والاستكشاف أمام شركات البترول العالمية، وهو الأمر الذى وجد قبولا من الشركات ولكنه جاء متفاوتاً من دولة إلى أخرى استناداً إلى عدة عوامل كمناخ الاستثمار، والقواعد التنظيمية والتشريعية، ودرجة المخاطرة لعمليات الاستكشاف. فأغلب المناطق المطروحة لم تشهد تحقيق اكتشافات سابقة للغاز أو الزيت الخام. ومن العوامل التى أثرت أيضأً على عمليات البحث والاستكشاف فى شرق المتوسط هو العمق الكبير للمياه الذى يصل إلى أكثر من 3,000 متر فى بعض المناطق، وهو ما يعنى ارتفاع تكاليف الحفر والتى قد تصل إلى 150 مليون دولار للبئر الواحد. علاوة على ذلك، الحاجة إلى سفن حفر متقدمة للعمل فى الأعماق السحيقة، ولا تملك العديد من الشركات هذه التقنيات المتقدمة أو الخبرة اللازمة للقيام بمثل هذه العميات شديدة المخاطرة، وعالية التكلفة.

وبالرغم من هذه الصعوبات الفنية، استطاعت شركات البترول العالمية مثل BP البريطانية، وEni الإيطالية تحقيق عدة اكتشافات كبرى للغاز، إلا أن الوقت لا يزال مبكراً لتقييم منطقة شرق المتوسط بشكل كامل، فما زال هناك العديد من عمليات البحث القائمة التى تديرها شركات البترول الكبرى صاحبة الامتياز، كما أنه لا يزال العديد من القطاعات البحرية المفتوحة التى لم يتم منحها بعد.

وتعد مصر أولى دول شرق المتوسط فى إجراء عمليات للبحث عن الغاز فى منطقة البحر المتوسط، وذلك عبر طرح عدة مزايدات عالمية منذ نهاية تسعينيات القرن الماضى. حيث تعود البداية الفعلية لنشاط مصر فى فتح مياه البحر المتوسط أمام شركات البترول العالمية فى منطقة المياه العميقة إلى عام 1998، عندما طرحت الهيئة المصرية العامة للبترول جولة التراخيص الأولى والتى تضمنت ثمانية قطاعات بمساحة إجمالية 170,188 كم2؛ من بينها ثلاثة قطاعات بحرية فى منطقة البحر المتوسط، والتى أسفرت عمليات البحث والاستكشاف فيها عن تحقيق اكتشافات واعدة للغاز.

كما شهدت الفترة (2002-2015) نشاطاً مكثفاً فى طرح المزايدات العالمية للبحث عن النفط والغاز فى منطقة المتوسط ودلتا النيل كما هو مبين بالجدول-2، والتى لاقت إقبالاً واضحاً من شركات البترول العالمية مثل BP وENI وغيرهم، وعلى إثر ذلك، حصلت عدة شركات عالمية على حقوق الامتياز فى عدة قطاعات بحرية، ونجحت فى تحقيق اكتشافات ساهمت فى تحقيق قفزة كبيرة لقطاع الغاز الطبيعى فى مصر، وهو الأمر الذى كان له انعكاسا واضحا على مسار التنمية فى مصر.

ويعد اكتشاف "ظهر" الذى حققته شركة Eni الإيطالية فى آب/أغسطس 2015، الاكتشاف الأكبر للغاز فى مصر، وأكبر اكتشافات الغاز فى منطقة شرق المتوسط. ويقع "ظهر" على بعد 190 كم قبالة السواحل المصرية، وعلى مقربة من الحدود البحرية المشتركة لمصر مع قبرص، حيث يبعد حوالى 4-6 كم من القطاع-11 بالمياه الاقتصادية الخالصة لقبرص، ونحو 40 كم فقط من حقل "أفروديت" القبرصى.

 ومن زاوية أخرى، ساهمت الاكتشافات المتتالية للغاز التى بدأت وتيرتها تتصاعد من عام 2000 كما هو مبين بالجدول-3، فى دعم الاحتياطى المتبقى من الغاز، وجذب الاستثمارات الأجنبية لإنشاء بنية أساسية لتصدير الغاز الفائض، حيث قامت مصر بإنشاء محطتى لتصدير الغاز الطبيعى المسال فى مدينتى دمياط وإدكو عام 2005، بالإضافة إلى خطى أنابيب لتصدير الغاز إلى دول الجوار، وهما خط الغاز العربى لتصدير الغاز إلى الأردن وسوريا ولبنان، وتقدر طاقته التصميمية بنحو 1 مليار قدم مكعب غاز/اليوم؛ والخط البحرى لتصدير الغاز إلى فلسطين المحتلة بطاقة 677 مليون قدم مكعب/اليوم.

 على صعيد آخر، انطلقت عمليات البحث عن النفط والغاز قبالة سواحل فلسطين المحتلة منذ مطلع السبعينات، حيث شهدت الفترة (1970-1990) حفر العديد من الآبار الاستكشافية فى المياه الضحلة (على بعد 10-20 كم من خط الساحل) لكنها لم تسفر عن تحقيق أية اكتشافات تجارية؛ إلا أنه فى عام 1999، تم الإعلان عن أول اكتشاف للغاز "نوا-1" Noa-1 على بعد 40 كم غرب مدينة عسقلان. كما حقق ائتلاف بقيادة شركة BG البريطانية فى عام 2000، أول اكتشاف للغاز "غزة مارين" قبالة سواحل قطاع غزة، على بعد 36 كم غرب مدينة غزة.

ويمكن القول بأن هذه الاكتشافات الأولية للغاز قبالة سواحل فلسطين المحتلة وقطاع غزة رغم تواضعها، كانت بمثابة الشرارة الأولى لتكثيف عمليات البحث فى مياه شرق المتوسط، بغية تحقيق اكتشافات جديدة. وقد أسفر هذا النشاط المكثف عن تحقيق عدة اكتشافات بإجمالى 11 اكتشاف كما هو مبين بالجدول-4، أبرزها اكتشاف "تمار" فى عام 2009، ويقع على بعد 90 كم غرب مدينة حيفا. واكتشاف "ليفياثان" فى عام 2010، ويقع على بعد 50 كم غرب "تمار" وهو الأكبر فى المياه الاقتصادية لفلسطين المحتلة، حيث تقدر احتياطياته من الغاز بنحو 21.9 تريليون قدم مكعب.

 كما تعتبر قبرص من أوائل الدول فى منطقة شرق المتوسط التى قامت بإعداد دراسات جيوفيزيائية وجيولوجية عن منطقتها البحرية ويعود ذلك إلى حقبة السبعينيات. وبالرغم من هذه البداية التاريخية، إلا أن البداية الحقيقية انطلقت عام 2006، عندما بدأت إدارة خدمات الطاقة التابعة لوزارة التجارة والصناعة والسياحة فى تنفيذ برنامج لجمع بيانات المسح السيزمى ثنائى وثلاثى الأبعاد للمنطقة الاقتصادية الخالصة، لوضع تصور عن المنظومة البترولية، الذى أظهر وجود هيكليات وطبقات جيولوجية واضحة المعالم قد تشكل مكامن محتملة للنفط والغاز. وقد بدأت أولى الخطوات العملية لجذب الشركات العالمية للتنقيب عن النفط والغاز فى المياه القبرصية وذلك بطرح جولة التراخيص الأولى فى عام 2007، التى لاقت إقبالاً متواضعاً من الشركات العالمية، إلا أن نتائج عمليات البحث التى قام بـها ائتـــلاف بقيــــادة شـــركــة Noble Energy الأمريكية، أسفرت عن تحقيق اكتشاف "أفروديت" فى عام 2011 الذى يضم نحو 3.6-6 تريليون قدم مكعب من الغاز، وبأفضل تقدير 5 تريليون قدم مكعب. وقد أعطى اكتشاف "أفروديت" دفعة قوية لجهود قبرص الرامية نحو إعادة طرح المنطقة الاقتصادية بغية تحقيق اكتشافات جديدة. وفى هذا الصدد، طرحت وزارة الطاقة القبرصية جولة تراخيص ثانية فى عام 2012، ثم جولة تراخيص ثالثة فى عام 2016، وقد لاقت هذه الجولات إقبالاً ملحوظاً من شركات البترول العالمية، خاصة جولة عام 2016، على أمل أن تسفر أنشطتها الاستكشافية عن تحقيق اكتشافات واعدة مثل "ظهر".

وفى هذا الصدد، نجحت شركة Eni فى عام 2018 فى تحقيق اكتشاف جديد "كاليبسو" (Calypso)، فى مياه عمقها 2,074 متر. وهو يؤكد وجود امتداد لطبقات "ظهر" فى المياه الاقتصادية الخالصة لقبرص. ويعد هذا الاكتشاف الجديد، الأول بعد عدة سنوات من تحقيق اكتشاف "أفروديت" عام 2011، وتشير التقديرات الأولية بأن احتياطياته تتراوح من 6 إلى 8 تريليون قدم مكعب.

كما قامت لبنان على مدار العقدين الماضيين بجمع بيانات المسح السيزمى ثنائى وثلاثى الأبعاد فى المنطقة الاقتصادية التى تبلغ مساحتها الإجمالية 22,730 كم2، وهى تمتد على ما يعادل 30% من مساحة حوض ليفانت الرسوبى. وتم الإعلان رسمياً عن انطلاق جولة العروض الأولى عام 2017، والتى أسفرت عن تلقى عرضين قدمهما ائتلاف من ثلاث شركات هى Eni الإيطالية، Total الفرنسية، Novatek الروسية. وتأمل لبنان أن تسفر عمليات البحث التى سيقوم بها الائتلاف عن تحقيق اكتشافات، حيث سيعطى ذلك دفعة قوية لجذب المزيد من شركات البترول العالمية للدخول فى المياه الاقتصادية اللبنانية، وهو الأمر الذى سيمكن لبنان من استغلال ثرواتها الطبيعية المحتملة ودعم اقتصادها.

أما فى سوريا، انطلقت أولى عمليات البحث السيزمى فى المياه الاقتصادية الخالصة عام 2005، وطرحت وزارة البترول والثروة المعدنية أولى جولات التراخيص عام 2007 والتى جاءت نتائجها مخيبة للآمال، ثم طرحت عام 2011 جولة تراخيص ثانية، ولم تعلن نتائجها نظراً لما تمر به سوريا من أحداث منذ عام 2011. وفى ضوء ما سبق وبسبب الأوضاع التى تمر بها البلاد، لم يتحقق حتى الآن أية اكتشافات غازية قبالة السواحل السورية.

 بالنظر إلى منطقة شرق المتوسط ككل وفى ضوء التراخيص السارية مطلع عام 2018، فلا تزال عمليات البحث والاستكشاف قائمة فى 33 قطاعاً بحرياً موزعة فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل من مصر، وفلسطين المحتلة، وقبرص، ولبنان، وسوريا كما هو مبين بالشكل-3، بمساحة إجمالية 81,860 كم2 (ما يعادل نحو 25% من المساحة الإجمالية لحوضى ليفانت ودلتا النيل الرسوبيين).

وتعتزم شركات البترول العالمية صاحبة التراخيص فى هذه القطاعات استكمال تنفيذ عمليات الحفر الاستكشافى خلال السنوات القليلة المقبلة والتى قد تسفر عن تحقيق اكتشافات جديدة. وتتصدر مصر دول شرق المتوسط من حيث عدد القطاعات قيد عمليات البحث، بإجمالى 14 قطاعاً بحرياً بمساحة إجمالية 45,319 كم2، (متوسط القطاع الواحد ~ 3,200 كم2). بينما لا تزال عمليات البحث والاستكشاف قائمة فى سبعة قطاعات فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص بمساحة إجمالية 27,172 كم2 (متوسط القطاع الواحد حوالى 3,800 كم2)، وفى تسعة قطاعات فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لفلسطين المحتلة بمساحة إجمالية 3,346 كم2، (متوسط مساحة القطاع الواحد حوالى 400 كم2).

ومؤخراً، دخلت المنطقة الاقتصادية الخالصة لـ لبنان ضمن نطاق عمليات البحث والاستكشاف، بعد منح ترخيص البحث فى قطاعين بحريين بمساحة إجمالية 3,653 كم2. أما فى سوريا، فلا يوجد سوى قطاع بحرى واحد (الممتد من مدينة طرطوس إلى مدينة بانياس) بمساحة إجمالية 2,190 كم2.

 أما المناطق التى لا تزال مفتوحة فى شرق المتوسط (ضمن نطاق المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل دولة)، فتزيد مساحتها الكلية عن إجمالى مساحة القطاعات التى تشهد عمليات بحث مكثفة، حيث تبلغ حوالى 91,763 كم2 كما يبين الجدول-5. وتمثل المناطق المفتوحة مجموع مساحات القطاعات المتبقية من جولات العروض التى طُرحت فى وقت سابق فى كل من مصر، وفلسطين المحتلة، وقبرص، ولبنان، وسوريا، بالإضافة إلى القطاعات البحرية التى تم تحديدها من قبل هذه الدول، ولم يتم طرحها بعد فى أية مزايدات عالمية أمام عمليات البحث.

وفى نفس الصدد، تقوم كل من مصر، وفلسطين المحتلة، ولبنان بالتجهيز لطرح جولات تراخيص تضم مناطق جديدة من هذه القطاعات المفتوحة، على أمل أن تجذب شركات البترول العالمية للمنافسة عليها، وتكثيف عمليات الاستكشاف بغية تحقيق اكتشافات جديدة.

 تختلف أهمية الغاز الطبيعى فى مزيج الطاقة من بلد لآخر، ففى بعض البلدان يعد النفط المصدر الرئيسى للطاقة الأولية، ويُعتمد عليه بشكل كبير فى كافة القطاعات الاقتصادية. وفى البعض الآخر، يكون الغاز المصدر الرئيسى للطاقة ومحرك التنمية الاقتصادية، ومدخل رئيسى نحو تحقيق التنمية المستدامة لقلة الانبعاثات الناتجة عن حرقه، وتوافقه مع كافة التشريعات والقوانين البيئية.

وبدراسة مزيج الطاقة الأولية فى دول شرق المتوسط، يلاحظ أن الغاز ليس المصدر الرئيسى للطاقة فى أغلب هذه الدول، بل أن بعضها لم يستخدم الغاز الطبيعى بعد، وما زال يعتمد بشكل شبه كامل على النفط كما هو الحال فى قبرص ولبنان، بينما يعتمد البعض الآخر بشكل كبير على الغاز الطبيعى. ففى مصر تمثل حصة الغاز الطبيعى نحو 53% من إجمالى استهلاك الطاقة الأولية. وتعد مصر من أوائل دول المنطقة فى استخدام الغاز الطبيعى ويعود ذلك إلى أكثر من أربعة عقود. كما تبنت مصر عدة برامج فعالة لدعم استخدام الغاز الطبيعى فى عدة قطاعات ومنها قطاع النقل لتقليل الاعتماد على الوقود السائل مثل الغازولين والكيروسين والديزل، وفى القطاع السكنى لتقليل الاعتماد على غاز البترول المسال. كما يعتمد السوق المحلى على الغاز الطبيعى كمادة خام (لقيم) لقطاع البتروكيماويات.

كما تعد سوريا من دول المنطقة التى تعتمد على الغاز بشكل كبير نوعاً ما، فهو يمثل نحو 35% من إجمالى استهلاك الطاقة الأولية، بينما يساهم النفط بنسبة 61%، وتساهم مصادر الطاقة المتجددة بالنسبة المتبقية.

أما فلسطين المحتلة، فهى حديثة العهد فى استخدام الغاز الطبيعى ويعود ذلك إلى عام 2004، وقد بات الغاز يمثل نحو 33% فى مزيج الطاقة الأولية كما هو مبين بالشكل-4.

 أما من جانب استهلاك الغاز فى دول منطقة شرق المتوسط، فتعد مصر المستهلك الأكبر على الإطلاق، حيث بلغ إجمالى استهلاكها من الغاز عام 2017 حوالى 5.7 مليار قدم مكعب/اليوم (58.8 مليار متر مكعب/السنة)، وتأتى فلسطين المحتلة فى المرتبة الثانية حيث بلغ استهلاكها عام 2017 حوالى 1 مليار قدم مكعب/اليوم (10.2 مليار متر مكعب/السنة). أما فى سوريا، فقد تراجع استهلاك الغاز بشكل حاد خلال السنوات الخمس الماضية، ليصل إلى متوسط 390 مليون قدم مكعب/اليوم (4 مليار متر مكعب/السنة) عام 2017 كما هو مبين بالشكل-5.

وبذلك يكون إجمالى استهلاك الغاز فى منطقة شرق المتوسط (مصر، فلسطين المحتلة، سوريا) حوالى 7.1 مليار قدم مكعب/اليوم، حيث يشكل استهلاك مصر وحده نحو 80% من الإجمالى، وهو الأمر الذى يعكس "حجم السوق المصرى” مقارنة بباقى دول المنطقة.

 ولعبت اكتشافات الغاز فى شرق المتوسط دوراً هاماً فى تأمين احتياجات بعض دول المنطقة وبالأخص مصر وفلسطين المحتلة من الغاز. حيث تعد مصر أكبر سوق للطاقة بشكل عام فى المنطقة، وتشهد نمواً سنوياً مستمراً فى الطلب عليها، وهو ما يحفز ويشجع على الاستثمار فى مواردها النفطية والغازية لتلبية احتياجات السوق المحلى من موارد الطاقة. ويمكن تقسيم التطورات والتغيرات الديناميكية التى شهدها إنتاج الغاز الطبيعى منذ عام 2000 إلى ثلاثة مراحل كما هو مبين بالشكل-6، حيث تمثل المرحلة الأولى طفرة الإنتاج وتنفيذ مشاريع التصدير وهى تمتد خلال الفترة (2000-2010)، بينما تمثل المرحلة الثانية تراجع إنتاج الغاز وبدء الاستيراد وهى تمتد خلال الفترة (2011-2016). أما المرحلة الثالثة فبدأت عام 2017 بانطلاق مشاريع التطوير الجديدة للاكتشافات الكبرى مثل اكتشاف "ظهر" فى منطقة شروق البحرية، واكتشاف "أتول" فى منطقة شمال دمياط البحرية، والاكتشافات السابقة فى منطقة غرب دلتا النيل (تورس، وليبرا، ورافين، وجيزة، وفيوم)، وذلك لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز قبل عام 2020.

 ولعل أبرز ما شهده قطاع الغاز فى مصر (ضمن تطورات المرحلة الثالثة وفق الشكل المسبق)، هو نجاح تشغيل حقل "ظهر" فى زمن قياسى، حيث أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية فى كانون الأول/ديسمبر 2017، بدء التشغيل التجريبى بمعدل إنتاج مبدئى 350 مليون قدم مكعب غاز/اليوم، وذلك بعد نجاح اختبارات التشغيل الفنية لوحدات المعالجة وخطوط نقل الغاز من آبار الحقل إلى محطة المعالجة. وقد نجحت شركة Eni فى الإسراع برفع إنتاج "ظهر" فى وقت قياسى أيضاً، حيث بلغ نحو 2 مليار قدم مكعب/اليوم فى شهر أيلول/سبتمبر 2018، أى بعد نحو تسعة أشهر من بداية تشغيله، وقبل نحو عام عن الجدول الزمنى المخطط. وفى سياق آخر، بدأ إنتاج الغاز من المرحلة الأولى لمشروع تطوير "أتول" فى شهر شباط/فبراير 2018، قبل نحو سبعة أشهر من الموعد المحدد. وقد بلغ إنتاج المرحلة الأولى حوالى 350 مليون قدم مكعب/اليوم من الغاز، بالإضافة إلى 10,000 برميل/اليوم من المتكثفات.

أما فى فلسطين المحتلة، فقد كان لتطوير اكتشافات الغاز دوراً فعالاً فى رفع الإنتاج المحلى لتلبية احتياجات قطاع الكهرباء لتعويض النقص الناتج عن توقف إمدادات الغاز من مصر عبر الخط البحرى منذ عام 2012. حيث بدأ إنتاج الغاز من حقل "تمار" فى مارس/آذار عام 2013، ليدشن مرحلة هامة فى تاريخ استغلال الثروات الغازية فى منطقة شرق المتوسط بشكل عام وفى فلسطين المحتلة بشكل خاص.

ويلبى " تمار" أكثر من 90% من الطلب المحلى على الغاز بفلسطين المحتلة، كما يبين الشكل-7. وهو يشكل وحده أكثر من 50% من الوقود المستخدم فى قطاع الكهرباء، كما يساهم بـ 100% من احتياجات القطاع الصناعى من الغاز. ولا تزال فلسطين المحتلة تستورد الغاز الطبيعى المسال عبر مرفأ عائم فى ميناء الخضيرة، وهو يساهم فى تلبية نحو 10% من إجمالى الطلب المحلى على الغاز.

 أما اكتشاف "ليفياثان"، فقد اتخذ الشركاء فى المشروع المشترك لتطوير الحقل فى شهر شباط/فبراير 2017، قرار الاستثمار النهائى لتنفيذ المرحلة الأولى "1A" من المشروع، باستثمارات 3.75 مليار دولار (بأقل 50% من الاستثمارات الأولية التى كان من المزمع ضخها فى المشروع فى خطوة تشير إلى العقبات التى تواجه تنفيذه). وتهدف المرحلة الأولى إلى إنتاج نحو 1.2 مليار قدم مكعب غاز/اليوم (12.4 مليار متر مكعب/السنة)، ومن المخطط تشغيلها نهاية عام 2019.

أما فى المرحلة الثانية " المرحلة 1B"، فمن المخطط تركيب نموذج للتصدير (Export Module) على المنصة كما هو مبين بالشكل-8 بطاقة 900 مليون قدم مكعب/اليوم لرفع طاقة المعالجة إلى 2.1 مليار قدم مكعب/اليوم (21.7 مليار متر مكعب/السنة)، وبتكلفة إجمالية 5-6 مليار دولار.

وقد نجح الشركاء فى حقل "ليفياثان" فى إبرام عدة اتفاقيات لبيع الغاز إلى المستهلكين فى السوق المحلى بإجمالى 1 تريليون قدم مكعب ( أى حوالى 5% فقط من احتياطيات الغاز بالحقل). وهو ما يعنى وجود فائض ضخم من احتياطيات الحقل ما زال بحاجة إلى إيجاد أسواق له.

وفى قبرص، وبالرغم من أنشطة البحث المكثفة عن الغاز، وما أسفرت عنه من تحقيق اكتشاف "أفروديت"، فلم يبدأ بعد تطوير الحقل، إلا أنها تسعى نحو استغلاله فى أغراض التصدير. وقد اتجهت قبرص نحو خيار تصدير الغاز بدلا من استغلاله فى السوق المحلى لعدة أسباب:

أولاً: لأنها سوق صغير للطاقة، حيث يتوقع أن يصل إجمالى الطلب على الغاز بحلول عام 2039 إلى قرابة 160 مليون قدم مكعب/اليوم (1.65 مليار متر مكعب/السنة)، يستحوذ قطاع الكهرباء وحده على نحو 100 مليون قدم مكعب/اليوم. وبالتالى لا يمكن استيعاب الإنتاج المتوقع من حقل أفروديت والذى يقدر بنحو 800 مليون قدم مكعب/اليوم (8.2 مليار متر مكعب/السنة).

ثانياً: لارتفاع تكاليف الاستخراج فى المياه العميقة بالبحر المتوسط، وهو ما يتطلب ضمان تسويق الإنتاج بأسعار معقولة لتغطية التكاليف الاستثمارية وتحقيق عوائد مجدية للشركاء فى المشروع. علاوة على ذلك، بُعد الحقل عن اليابسة بمسافة تصل إلى 160 كم، وقربه من الحدود البحرية المشتركة مع مصر، وبالتالى إمكانية ربطه مع التسهيلات البحرية التابعة لمصر.

وتضم خطة التطوير الأولية لحقل "أفروديت" تركيب منصة إنتاج وتخزين عائمة (FPSO) فى موقع الحقل كما هو مبين بالشكل-9، الذى يقع فى مياه عمقها 2,000 متر لمعالجة الغاز الخام بطاقة 800 مليون قدم مكعب/اليوم، على أن يتم تصدير الغاز المعالج عبر خطوط الأنابيب إلى الأسواق المحتملة. وقد قدرت تكلفة خطة التطوير (بدون تكلفة إنشاء خطوط الأنابيب إلى الأسواق المحتملة) بنحو 3.5-4.5 مليار دولار.

 بينما دخلت لبنان مؤخراً فى نادى الطاقة مطلع عام 2018 بعد منح تراخيص البحث والإنتاج لائتلاف ثلاث شركات بترول عالمية فى منطقتين بحريتين، ويتوقع أن تلعب أية اكتشافات غازية مستقبلية دوراً هاماً فى تلبية احتياجات السوق المحلى المعتمد كلياً فى الوقت الراهن على استيراد النفط، ويكبد خزينة الدولة المليارات من الدولارات سنوياً. حيث تشكل فاتورة الكهرباء السنوية نحو 10-18.5% من إجمالى الانفاق العام، كما بلغت حصة قطاع الكهرباء نحو 45% من الدين العام البالغ نحو 80 مليار دولار.

وقد وضعت هيئة إدارة قطاع البترول فى لبنان "سيناريو مبدئى” حول الجدول الزمنى المتوقع لاستغلال الثروات الغازية المحتملة فى القطاعات البحرية التى تم توقيع اتفاقيات للبحث والاستغلال فيها مطلع عام 2018. حيث يتوقع أن يتم تحقيق أولى الاكتشافات خلال عام 2019، وانطلاق باكورة الإنتاج التجارى عام 2024. ويتمتع لبنان بموقع جغرافى متميز سيمكَنه من تصدير فائض إنتاجه عبر خيارين إما عبر خطوط الأنابيب إلى الأسواق المجاورة أو إنشاء محطة للغاز الطبيعى المسال.

أما فى سوريا، وفى ضوء الأوضاع التى تمر بها البلاد، لم يتحقق حتى الآن أية اكتشافات غازية قبالة السواحل السورية، بالإضافة إلى توقف أنشطة شركة Soyuzneftegaz الروسية التى حصلت على عقد الاستكشاف والإنتاج فى القطاع-2 البحرى، منذ نهاية عام 2015. إلا أنها تعد أيضاً سوقاً كبيراً وواعداً للغاز، بالإضافة إلى أنها تمتلك بنية تحتية كبيرة من مجمعات لمعالجة الغاز وإنتاج مشتقاته كغاز البترول المسال والمتكثفات، وشبكات للنقل والتوزيع على اتساع المساحة الجغرافية للبلاد.

كانت الأردن محط أنظار الشركاء فى حقلى " تمار" و" ليفياثان"، كسوق محتمل للغاز، وذلك بسبب توقف إمدادات الغاز الطبيعى من مصر عبر خط الغاز العربى منذ منتصف عام 2013، بالإضافة إلى حاجة الأردن الشديدة إلى استيراد الغاز لتلبية احتياجات عدة قطاعات، وبالأخص قطاع الكهرباء الذى تكبد خسائر فادحة بسبب فاتورة استيراد الوقود السائل ليحل محل الغاز المصرى. وفى هذا الصدد، وقعت شركةNoble Energy (القائم بالعمليات بحقل "تمار" والمالكة لحصة 32.5%) فى شباط/فبراير 2014، على اتفاقية مع شركة "البوتاس العربية" وشركة "برومين الأردن" لتصدير الغاز الطبيعى إلى الأردن من حقل "تمار" لمدة خمسة عشرة عاماً. وقد نصت الاتفاقية على أن يتم تزويد تسهيلات الشركتين الواقعة بالقرب من البحر الميت بغاز " تمار" بداية من عام 2016، بكمية إجمالية 66 مليار قدم مكعب (1.8 مليار متر مكعب) بسعر 6.5 دولار/مليون وحدة حرارية بريطانية، وقد بدأت الأردن بالفعل فى استقبال أولى دفعات الغاز من حقل " تمار" مطلع عام 2017.

وفى تطور آخر، نجح الشركاء فى حقل "ليفياثان" (شركة Noble Energy، وشركة Delek) فى إبرام اتفاقية نهائية مع شركة الكهرباء الوطنية الأردنية (NEPCO) فى سبتمبر 2016، لتصدير الغاز من " ليفياثان" إلى الأردن لمدة خمسة عشرة عاماً. وقد نصت الاتفاقية على أن يتم تصدير نحو 290 مليون قدم مكعب/اليوم خلال مدة الاتفاقية (إجمالى 1.6 تريليون قدم مكعب) بنظام الأخذ أو الدفع (Take or Pay) مقابل كمية محددة لم يتم الإفصاح عنها. يلخص الجدول-6 الاتفاقيات الموقعة لتصدير الغاز من حقلى "تمار" و" ليفياثان" إلى الأردن.

 كانت مصر أيضاً محل أنظار الشركاء فى المشروع المشترك لتطوير حقل "تمار" والمشروع المشترك لتطوير حقل " ليفياثان". وتأتى أهمية مصر لسببين رئيسيين، أولهما لأنها تملك محطات لإسالة الغاز فى مدينتى دمياط وإدكو على ساحل البحر المتوسط وشبه متوقفة عن التشغيل، ومن ثم يمكن الاستفادة منها كوجهة لإعادة التصدير. أما السبب الثانى، فهو أن مصر سوق كبير للغاز، ويشهد نمواً سنوياً ملحوظاً فى الطلب عليه، يفوق مستويات الإنتاج المحلى الذى تراجع بشكل حاد خلال الأعوام القليلة الماضية. وفى هذا الصدد، نجحت الشركات المطورة لحقلى "تمار"، و"ليفياثان" فى توقيع "مذكرتى تفاهم" مع الشركات الأوروبية المالكة لمحطات إسالة الغاز الطبيعى فى مصر لتصدير الغاز إليها. وستؤمن هذه الاتفاقيات حال تنفيذها بيع نحو 6.25 تريليون قدم مكعب/اليوم من احتياطيات الغاز فى الحقلين.

أما من جانب السوق المحلى بمصر، فقد تم توقيع اتفاقيات نهائية بين شركة Noble Energy وشركائها، وشركة دولفينوس المصرية فى شباط/فبراير 2018، تقضى بتصدير الغاز من حقلى” تمار"، و"ليفياثان" إلى شركات صناعية ومصانع بتروكيماويات ومحطات كهرباء بكمية إجمالية 1.15 تريليون قدم مكعب من كل حقل على حدة (أى بإجمالى 2.3 تريليون قدم مكعب). يلخص الجدول-7 الاتفاقيات الموقعة لتصدير الغاز من حقلى "تمار" و" ليفياثان" إلى مصر.

 كانت مصر أيضاً محط أنظار الشركاء فى حقل "أفروديت" فى قبرص، لعدة أسباب، منها قرب موقع "أفروديت" من موقع حقل " ظهر" ووجود بنية تحتية متاحة لدى مصر يمكن استغلالها لربط "أفروديت" بها. وفى تفعيل لمذكرة التفاهم الموقعة بين مصر وقبرص، تم توقيع اتفاق حكومى فى شهر أيلول/سبتمبر 2018، لإنشاء خط أنابيب بحرى مباشر لنقل الغاز من حقل "أفروديت" إلى تسهيلات الإسالة بمصر، وإعادة تصديره إلى الأسواق المختلفة. إلا أن ذلك سيتطلب أيضاً توقيع اتفاق تجارى قبل البدء فى نقل الغاز، وقد يستلزم الأمر أيضاً توقيع اتفاقية استغلال مع الشركاء فى حقل Ishai بفلسطين المحتلة، حيث يعتقد أنه امتداد لحقل "أفروديت" القبرصى داخل المياه الاقتصادية لفلسطين المحتلة. وتقدر احتياطيات حقل Ishai من الغاز بنحو 0.25-0.31 تريليون قدم مكعب.

 لا شك أن منطقة شرق المتوسط منطقة واعدة على الخريطة العالمية للطاقة بفضل ما تحقق من اكتشافات كبيرة من الغاز، وما يتوقع أن تسفر عنه عمليات البحث الجارية. وقد أبدى الاتحاد الأوروبى اهتماما خاصاً لدراسة إمكانية الاستفادة من موارد الغاز فى هذه المنطقة كمصدر إمدادات آخر يقلل من الاعتماد الكبير على الغاز الروسى. فالمنطقة تملك قدرات تصديرية من الغاز تصل إلى 2.9 مليار قدم مكعب/اليوم، وذلك وفق الاكتشافات الحالية وخطط التطوير الجارى تنفيذها، وقد ترتفع الكميات مستقبلا إلى أكثر من 5 مليار قدم مكعب/اليوم كما يبين الشكل-10، فى ضوء ما قد تسفر عنه أنشطة البحث الجارية فى أكثر من 30 قطاعاً قبالة سواحل قبرص، ولبنان، ومصر، وفلسطين المحتلة. وهذا الفائض يتماشى مع النمو المتوقع فى زيادة واردات أوروبا من الغاز والمقدر بنحو 5 مليار قدم مكعب/اليوم. حيث يتوقع أن يرتفع صافى الواردات من 28 مليار قدم مكعب/اليوم عام 2017 ليصل إلى 33 مليار قدم مكعب/اليوم بزيادة حوالى 5 مليار قدم مكعب/اليوم. وفى المقابل سترتفع درجة اعتماد أوروبا على استيراد الغاز من 54-55% عام 2017 لتصل إلى قرابة 57% بحلول عام 2020، ثم إلى 67% بحلول عام 2035.

ولترجمة تحويل منطقة شرق المتوسط وتحديداً من قبرص، وفلسطين المحتلة، ومصر كمصدر محتمل يساهم فى تلبية الاحتياجات المستقبلية لأوروبا من الغاز، فهناك عدة سيناريوهات مقترحة لاستغلال الموارد المكتشفة ومنها على سبيل المثال الاستيراد مباشرة من فلسطين المحتلة بواسطة ناقلات الغاز الطبيعى المسال، أو إنشاء خط أنابيب يربط فلسطين المحتلة بقبــرص ويمر عبر اليونــــان ومنها إلى أوروبا. بيد أن أغلب السيناريوهات المقترحة تصطدم فى نهاية المطاف بعدة معوقات فنية أو اقتصادية تحول دون تنفيذها على المدى القريب أو المتوسط، وهو ما يستدعى البحث عن سيناريو يمكن تنفيذه على المدى القريب.

 ويعد سيناريو استغلال مجمعات الإسالة المتاحة لدى مصر لتصدير غاز شرق المتوسط، السيناريو الأقرب إلى التنفيذ فى المدى القريب أولاً بحكم أنها قائمة وغير مستغلة، وثانياً لموقعها الجغرافى المتميز الذى يتوسط حقول شرق المتوسط من ناحية، والأسواق الأوروبية من ناحية أخرى كما هو مبين بالشكل-11. كما أن مجمعات الإسالة قابلة للتوسع بإضافة وحدات جديدة بتكلفة أقل لكونها مشاريع قائمة بالفعل، حيث يمكن إضافة وحدة إسالة جديدة فى مجمع دمياط، لتصل إجمالى الطاقة التصديرية للمجمع إلى قرابة 10 مليون طن/السنة (تكافئ 1.3 مليار قدم مكعب/ اليوم). أما مجمع إدكو فيضم وحدتين فقط، وتسع أرض المجمع لست وحدات، أى يمكن أن تصل الطاقة التصديرية إلى 21.6 مليون طن/السنة (تكافئ 2.9 مليار قدم مكعب/اليوم)، وبالتالى يمكن أن تكون مصر مستقبلاً محوراً لتجميع وعبور غاز منطقة شرق المتوسط إلى أوروبا.

إلا أن الأمر سيظل مرهونا أيضاً بقدرة مصر على تطوير مواردها من الغاز الطبيعى، وما ستسفر عنه عمليات البحث الجارية فى العديد من القطاعات البحرية التى فازت بها الشركات الأوروبية مثل Eni وBP وغيرهما، حيث قد تتحقق اكتشافات جديدة يمكن تطويرها، وتحقق فائض عن حاجة السوق المحلى يمكن تصديره عبر محطات الإسالة شبة المتوقفة.

ولا شك أن هذا هو الوضع الأفضل لمصر لأنه سيسهم فى ضخ الاستثمارات الأجنبية مباشرة فى قطاع البترول المصرى بتنفيذ مشاريع تطويرية مستقبلية تساهم فى دفع عجلة الإنتاج ودعم الاقتصاد. علاوة على تنافسية تصدير الغاز من مصر مباشرة لانخفاض التكلفة مقارنة بإعادة تصدير الغاز من قبرص أو فلسطين المحتلة (بعد إسالته)، فى ضوء ضرورة استرداد التكاليف الرأسمالية التى سيتم انفاقها من قبل الشركات المطورة فى إنشاء خطوط أنابيب لنقل الغاز إلى محطات الإسالة مصر، وتكاليف الإسالة ذاتها، وإعادة التصدير إلى الأسواق الأوروبية.

 أجرت الدول المطلة على منطقة شرق المتوسط منذ عقود عدة دراسات جيولوجية وجيوفيزيائية لتحديد وتقييم مواقع المكامن الجيولوجية المأمولة فى شرق مياه المتوسط. وتضم منطقة شرق المتوسط حوض "ليفانت" الرسوبى والذى يمتد على مساحة 83,000 كم2، وهو يبدأ من شمال مصر على طول الساحل الشرقى للبحر المتوسط مروراً قبالة سواحل قطاع غزة وفلسطين المحتلة، ولبنان، وسوريا، وقبرص حتى يصل إلى تركيا. كما تضم حوض "دلتا النيل" الذى يمتد القسم الأكبر منه أسفل المياه المصرية، وهو يمتد على مساحة شاسعة تبلغ نحو 250,000 كم2. وقد استعانت دول شرق المتوسط بكبريات الشركات العالمية المتخصصة فى جمع وتفسير بيانات المسح السيزمى ثنائى وثلاثى الأبعاد مستخدمة أحدث التقنيات المتوفرة فى هذا المجال لتقييم جيولوجيا المنطقة، والتى أسفرت نتائجها عن وجود هيكليات وطبقات جيولوجية واضحة المعالم قد تشكل مكامن محتملة للنفط والغاز.

وبالرغم من الصعوبات الفنية التى واجهت عمليات البحث والاستكشاف فى المنطقة، استطاعت شركات البترول العالمية مثل BP، وEni تحقيق عدة اكتشافات كبرى للغاز مثل "تمار"، "ليفياثان"، "أفروديت"، "ظهر"، "أتول" كما هو مبين بالجدول-8، التى تأتى فى سياق متصل يبرهن على أن شرق المتوسط بمثابة مقاطعة غنية بالغاز، إلا أن الوقت لا يزال مبكراً جداَ لاكتشاف ثروات منطقة شرق المتوسط بشكل كامل.

فى ضوء الاكتشافات الغازية التى تم تحقيقها فى منطقة شرق المتوسط، قامت بعض دول المنطقة بالإسراع بتطوير هذه الاكتشافات، للاستفادة من إنتاج الغاز فى تلبية احتياجات السوق المحلى، ولتصدير الفائض لتحقيق عائدات تغطى تكاليف الاستثمار، وتحقق الفائدة الاقتصادية. بينما لم يتمكن البعض الآخر من تطوير اكتشافات الغاز حتى الآن، بسبب بعض العقبات الفنية والاقتصادية. ويعد العائق الأساسى للاستثمار هو كيفية تسويق إنتاج الغاز على المستوى المحلى أو الإقليمى، خاصة أن مشاريع تطوير حقول الغاز الواقعة فى المياه العميقة والعميقة جداً تتطلب استثمارات باهظة، وبالتالى لابد من إبرام اتفاقيات مسبقة لضمان بيع الغاز المزمع إنتاجه لتحقيق عائدات تغطى تكاليف الاستثمار، وتحقق الفائدة الاقتصادية.

 وتعد مصر أكبر سوق للطاقة بشكل عام فى المنطقة، وتشهد نمواً سنوياً مستمراً فى الطلب عليها، وهو ما يحفز ويشجع على الاستثمار فى مواردها النفطية والغازية لتلبية احتياجات السوق المحلى من موارد الطاقة. كما نجحت مصر فى تعظيم القيمة المضافة من الاكتشافات الغازية التى بدأت وتيرتها تتسارع منذ عام 2000، بتنفيذ مشاريع لتصدير الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى الدول المجاورة، وبإنشاء محطات لإسالة الغاز فى مدينتى إدكو ودمياط على ساحل البحر المتوسط. إلا أنها شهدت تراجعاً حاداً فى الإنتاج فى الآونة الأخيرة نتيجة تراجع أنشطة التطوير، وهو ما دفع مصر لاستيراد الغاز الطبيعى المسال لتلبية الطلب المحلى المتزايد. إلا أن اكتشاف "ظهر" وغيره من الاكتشافات الحديثة التى جاءت ثمار عمليات البحث فى البحر المتوسط فى السنوات الأخيرة كان له أثراً إيجابياً، حيث تبنت مصر استراتيجية طموحة تقضى بالإسراع بتطوير هذه الاكتشافات ودخولها على الإنتاج فى أقرب وقت ممكن، بغية الاكتفاء الذاتى مجدداً قبل عام 2020.

أما فى فلسطين المحتلة، فقد كان لتطوير اكتشافات الغاز دوراً فعالاً فى رفع الإنتاج المحلى لتلبية احتياجات قطاع الكهرباء لتعويض النقص الناتج عن توقف إمدادات الغاز التى كانت تأتى من مصر. ويلبى إنتاج الغاز من "تمار" الذى تم تشغيله عام 2013، أكثر من 90% من الطلب المحلى على الغاز.

وفى قبرص، وبالرغم من أنشطة البحث المكثفة عن الغاز، وما أسفرت عنه من اكتشافات، فلم يبدأ بعد تطوير أى منها، إلا أنها تسعى نحو استغلال هذه الموارد فى أغراض التصدير سواء عبر خطوط الأنابيب أو عبر الإسالة والتصدير إلى مختلف الأسواق العالمية.

بينما دخلت لبنان، مؤخراً فى نادى الطاقة مطلع عام 2018 بعد منح تراخيص البحث والإنتاج فى منطقتين بحريتين، ويتوقع أن تلعب أية اكتشافات غازية مستقبلية دوراً هاماً فى تلبية احتياجات السوق المحلى المعتمد كلياً فى الوقت الراهن على استيراد النفط، مما يكبد خزينة الدولة المليارات من الدولارات سنوياً.

أما سوريا، وبسبب الأوضاع التى تمر بها البلاد، لم يتحقق حتى الآن أية اكتشافات غازية قبالة السواحل السورية، بالإضافة إلى توقف أنشطة شركة Soyuzneftegaz الروسية التى حصلت على عقد الاستكشاف والإنتاج فى المنطقة البحرية منذ نهاية عام 2015.

فى سياق آخر، كانت الأردن محط أنظار الشركات المطورة لاكتشافات الغاز فى شرق المتوسط، كسوق محتمل للغاز، وذلك بسبب توقف إمدادات الغاز الطبيعى من مصر عبر خط الغاز العربى منذ منتصف عام 2013، بالإضافة إلى حاجة الأردن الشديدة إلى استيراد الغاز لتلبية احتياجات عدة قطاعات، وبالأخص قطاع الكهرباء الذى تكبد خسائر فادحة بسبب فاتورة استيراد الوقود السائل ليحل محل الغاز المصرى. وقد أسفر ذلك عن توقيع الأردن عدة اتفاقيات لاستيراد الغاز من هذه الاكتشافات. كما كانت مصر أيضاً، وبالرغم من ما حققته من اكتشافات ضمن نطاق مياهها الاقتصادية الخالصة، محل أنظار الشركات القائمة بعمليات الاستكشاف والتطوير فى المناطق الاقتصادية الخالصة لباقى دول شرق المتوسط، لأنها تملك محطات لإسالة الغاز وغير مستغلة، ومن ثم يمكن الاستفادة منها كوجهة لإعادة التصدير، ولأنها تشهد طلب محلى على الغاز يفوق الإنتاج. وقد أسفر ذلك عن توقيع عدة اتفاقيات لتصدير الغاز كما هو مبين بالجدول-9.

 كما يعد السوق الأوروبى "وجهة مثالية" لصادرات الغاز المحتملة من منطقة شرق المتوسط، وذلك لموقعه القريب من المنطقة من ناحية، ولحاجة أوروبا إلى تنويع مصادر إمداداتها من الغاز من ناحية أخرى بما يحقق أمنها الطاقوى. حيث تعد روسيا المصدر الرئيسى لإمدادات الغاز إلى أوروبا بحصة تصل إلى 33% من إجمالى الطلب، ومن المتوقع أن تزيد درجة اعتماد أوروبا على واردات الغاز مستقبلا بسبب تراجع إنتاج الحقول الواقعة فى بحر الشمال. وهنا تكمن أهمية شرق المتوسط كمصدر محتمل يساهم فى تلبية احتياجات أوروبا المستقبلية من الغاز.

لذا فإن بزوغ نجم منطقة شرق المتوسط كمنطقة غنية بالغاز، وتسارع الدول المطلة عليها نحو تنمية الاكتشافات الحديثة بشكل متكامل بينهم، وتحقيق اكتشافات جديدة كبيرة على مقياس عالمى يمكن تطويرها فى المستقبل، قد يسهم بشكل فعال فى تحويل شرق المتوسط إلى مصدر محتمل يمد أوروبا بالغاز على المدى الطويل. فالمنطقة تملك قدرات تصديرية تصل إلى 2.9 مليار قدم مكعب/ اليوم، وذلك وفق الاكتشافات الحالية وخطط التطوير الجارى تنفيذها، وقد ترتفع الكميات مستقبلا إلى أكثر من 5 مليار قدم مكعب/اليوم فى ضوء ما قد تسفر أنشطة البحث الجارية فى أكثر من 30 قطاعاً قبالة سواحل قبرص، ولبنان، ومصر وفلسطين المحتلة. وهذا الفائض يتماشى مع النمو المتوقع فى زيادة واردات أوروبا من الغاز مستقبلاً والمقدر بنحو 5 مليار قدم مكعب/اليوم.

ولترجمة تحويل منطقة شرق المتوسط كمصدر محتمل يساهم فى تلبية الاحتياجات المستقبلية لأوروبا من الغاز، فهناك عدة سيناريوهات مقترحة لاستغلال الموارد المكتشفة، لكن بعضها لا يزال يواجه بعض الصعوبات الفنية والاقتصادية، ومنها الاستيراد مباشرة من فلسطين المحتلة بواسطة ناقلات الغاز الطبيعى المسال.

أو إنشاء خط أنابيب يربط فلسطين المحتلة بقبــرص ويمر عبر اليونــــان ومنها إلى أوروبا وهو مقترح يدعمه الاتحاد الأوروبى. كما يمكن استغلال البنية الأساسية المتاحة لدى مصر وغير مستغلة بشكل كامل لتجميع ونقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، وهو الأقرب إلى التنفيذ على المدى القصير.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة