من شهور هناك توقعات بأن العالم يدخل فى أزمة اقتصادية، ربما تكون نسخة من أزمة 2008 التى بدأت فى الولايات المتحدة وامتدت لباقى دول العالم. وما يجرى فى فرنسا ليس بعيدًا عن أزمة نظام عالمى تشكل خلال ثلاثة عقود، ويفقد الكثير من عناصر الاستقرار، ويواجه منافسات وتداخلات سياسية تغير من طبيعته وتعيد تشكيل عالم جديد.
وخلال الأيام الماضية كانت هناك تحركات أوروبية تبدو معاكسة لما يتبعه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أمريكا فرضت رسومًا على صادراتها من أوروبا والصين، الصين ردت بالمثل، وأوروبا أشارت عن طريق فرنسا وألمانيا إلى أن هذه الإجراءات تتنافى مع اتفاقية التجارة العالمية. وأثناء احتفالات المئوية للحرب العالمية الأولى، أشار الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون إلى ما أسماه لا أخلاقية التركيز على المصالح الخاصة، وأعلن تأييده لإقامة جيش أوروبى وأيدته المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل. ورد الرئيس الأمريكى ترامب منتقدًا تقارب ألمانيا وفرنسا وذكرهم بالحرب العالمية الثانية واحتلال ألمانيا لفرنسا. كان ترامب يعبر عن غضب أمريكى من تمرد أوروبى من شركاء حلف شمال الأطلسى «ناتو».
أيام على هذه الاحتكاكات، واندلعت مظاهرات السترات الصفراء فى فرنسا، ردًا على قرارات رفع أسعار الوقود، ولم تكن هناك توقعات بأن تصل الاحتجاجات إلى هذه الفوضى والتدمير فى العاصمة الفرنسية باريس، سقط قتيل وأصيب عشرات، واعتقلت الشرطة الفرنسية أكثر من 400 ممن قاموا بأعمال نهب وعنف وتم تحطيم قوس النصر المبنى الأثرى والسياحى الفرنسى، وإغلاقه ومعه محطات مترو باريس.
وربما تكون مظاهرات فرنسا هى الأعنف لكنها تمتد لدول أوروبية أخرى، فيما يعكس مؤشرات أزمة اقتصادية، تعلن عن نفسها قد لاتكون بعيدة عن التوتر مع الولايات المتحدة، وأيضًا عن صراعات إقليمية فى الشرق الأوسط التهمت مليارات وكشفت عن أزمة اقتصادية تطل برأسها فى أوروبا. يضاف إلى ذلك أن فرنسا كانت دائمًا مجالًا لهجمات إرهابية خلال السنوات الماضية، انعكاسًا لدورها فى أزمات الشرق الأوسط.
الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء إدوار فيليب يبحثان مع المعارضة سبل نزع فتيل أزمة. الرئيس ماكرون يرى أن الضرائب على المحروقات جزء من مسعاه لمحاربة تغير المناخ وإقناع السائقين الفرنسيين بالاستغناء عن السيارات التى تعمل بالديزل والإقبال على أنواع أقل تلويثًا للبيئة، وأنه لن يحيد عن أهداف سياسته.
احتجاجات «السترات الصفراء»، فى فرنسا وعدة دول أوروبية بدأت كرد فعل عفوى على رفع أسعار الوقود، وتحولت إلى تعبير أوسع عن الغضب لارتفاع تكاليف المعيشة على أبناء الطبقة المتوسطة. وهى حركات بلا زعامة، هناك أكثر من ثمانية متحدثين شبه رسميين باسم «السترات الصفراء»، واضحة مما يجعلها أكثر تعقيدًا للحكومة. وهناك إشارات إلى كل من اليمين المتطرف ودوره فى تأجيج الفوضى للدفع نحو الإطاحة بماكرون، وهو ما قد يمهد لليمين، لكن الأمر أكثر تعقيدًا هناك مطالب يسارية تتعامل باعتبار الأزمة هى أزمة اقتصادية تحتاج إلى إجراءات أقل توحشًا تجاه الفئات الوسطى. وكلها إشارات تتفاعل لتصنع هذه الصورة المعقدة، التى لايمكن اختصارها فى جهة أو طرف، لكنها ستجد لها حلا فى ظل نظام ديموقراطى سبق له مواجهة مثل هذه الاحتجاجات. وهو أكبر تحدٍّ لماكرون منذ تولى الرئاسة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة