دخان كثيف، ومشاهد مروعة من الكر والفر عاشتها فرنسا ولا تزال على مدار الأسابيع الماضية، بعد خروج حركة "السترات الصفراء" إلى النور ودعوتها للاحتجاج ضد قرارات الحكومة الفرنسية برفع الضرائب على المحروقات، وهى القرارات التى تراجعت عنها الحكومة مساء الثلاثاء، بعدما طالت نيران الفوضى ممتلكات عامة وخاصة، وإتلاف معالم آثرية، وخلفت وراءها مئات المصابين.
المشهد الفرنسى الذى خرج عن السيطرة، دفع الحكومة إلى تعليق قرارها بشأن ضرائب المحروقات 6 أشهر، فى محاولة للسيطرة على المشهد، أملاً فى تراجع وتيرة الاحتجاجات، إلا أن مراقبون أكدوا أن تلك الخطوة لن تكون إلا مبرراً للمزيد من الفوضى، بحسب ما نشرته صحيفة "ذى تايمز" البريطانية فى تقرير لها.
وقالت الصحيفة البريطانية إن المتطرفين الذين يقفون خلف أغلب أحداث العنف التى شهدتها العاصمة الفرنسية باريس الأسبوع الماضى، يسعون لتحويل الاحتجاجات على زيادة الضرائب إلى ثورة متفجرة كاملة، مؤكدة فى تقريرها أن المنشورات التى حصلت عليها تظهر أن جماعات اليمين المتشدد تريد استخدام تفجر الغضب الشعبى ضد الرئيس إيمانويل ماكرون للإطاحة بالنظام بأكمله، وليس فقط استقالة الرئيس.
ولفتت الصحيفة إلى أن نحو 300 من المسلحين المنتمين إلى اليمين المتشدد كانوا حاضرين فى مظاهرة السبت الماضى التى تحولت إلى أسوأ أحداث شغب تشهدها باريس منذ عام 1968. وانضم إليهم عدة مئات من النشطاء اليساريين وهم يبنون الحواجز ويشعلون النيران بالسيارات والمبانى ويهاجمون الشرطة.
وتابعت "تايمز": هؤلاء المتشددون المنظمون جيدا، تجنب أغلبهم أن يتم القبض عليه بمغادرة المكان مع تعامل شرطة مكافحة الشغب مع الأمر". ولفتت تايمز إلى أن أغلبية من تم اعتقالهم خلال أحداث الشغب 412 شخص، ليس لديهم انتماءات سياسية.
وقال جاين يفيس كامو، الباحث فى المعهد الفرنسى للشئون الدولية والإستراتيجية فى باريس، وهو خبير فى شئون اليمين المتطرف، إن الجماعات الراديكالية من اليمين واليسار أدمجوا أنفسهم بحركة السترات الصفراء لأنهم يعتقدون أنهم بحاجة إلى إدراك سياسى، ويعتقدون أن المحتجين ينبغى أن يكون هدفهم ليس فقط استقالة ماكرون ولكن الإطاحة بالنظام بأكمله.
وأشار الخبير الفرنسى إلى أن اليمين المتطرف كان سريعا فى الانضمام لاحتجاجات السترات الصفراء على أمل أن يغذى العنف والفوضى أجندته المعادية للهجرة والإسلام.
ومن بين الجماعات اليمينية المتطرفة التى شاركت فى احتجاجات السبت جماعة الدفاع عن الاتحاد المعروفة بأساليبها العنيفة. وقد واجهت مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطنى المنتمى لليمين المتطرف اتهامات بالحفاظ على علاقات مع جماعة الدفاع عن الاتحاد على الرغم من محاولتها لكسب الاحترام. وكان موجودا أيضا يوفان بينديتى، الرئيس السابق لجماعة العمل الفرنسى اليمنية التى ساندت حكومة فيشى التى ساندت ألمانيا النازية، وتم حظر الجماعة عام 2013. كذلك تواجد إيرف ريسي، الناشط اليمينى المتشدد المدان بالتحريض على الكراهية العنصرية.
وتجلت أجندة اليمين المتشدد فى منشور تم توزيعه على المحتجين، ويلقى المنشور اللوم على المهاجرين فى العنف وقال إن القوميين قد قاموا بإبلاغ السترات الصفراء أنهم ينبغى أن يدخلوا فى معركة لحماية بلادنا وحضارتنا، ودعا المنشور إلى إنهاء الرأسمالية والعولمة وعضوية فرنسا فى الاتحاد الأوروبى. ودعت الجماعة على موقعها الإلكترونى إلى ثورة وطنية اجتماعية شعبية من أجل الهوية.
ويقول كامو إن جماعات اليمين المتشددة التى ترتبط أغلبها بعلماء البيئة الراديكاليين، كانت مترددة فى البداية فى دعم الاحتجاجات على زيادة الضرائب على الوقود، لكنهم انضموا إليها على أمل أن تؤدى الفوضى إلى انهيار الدولة.. وينتمى الكثيرون إلى جناح الحركة الأناركية الفرنسية ولديهم خبرة طويلة فى الصدامات مع شطة مكافحة الشغب، حيث استطاع المحتجون أن يمنعوا محاولة لبناء مطار.
وتتبنى بعض الجماعات إيديولوجية الكتلة السوداء، نسبة إلى الملابس السوداء التى يرتديها أعضائها، والتى تستمد جذورها من الدوائر اليسارية فى ألمانيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة