الفوضى و الاحتجاجات لن تقف على أعتاب فرنسا، بل ستجتاح العديد من الدول الأوروبية فى الفترة المقبلة.. السترات الصفراء إعلان عن بدء مرحلة جديدة قد تغير معالم أوروبا كلها فها هى تنتقل بسرعة الى بلجيكا ولن يمضى وقت طويل حتى تظهر صواعقها فى إيطاليا وإسبانيا، الملايين من الشباب المهمشين الفقراء فى أوروبا العجوز عرف كيف يصرخ وكيف يخيف حكوماته ويقايض على حقوقه وواجباته.. العقد الاجتماعى فى دولة جان جاك رسو ينفك وينفلت وتدخل طبقات وفئات جديدة فى الموازنات السياسية، لتحصل على جزء من الكعكة ولترفع نصيبها من موارد الدولة، فقراء وبسطاء أوروبا يفرضون دورهم فى الحسابات السياسية بعد أن أرهقهم الجرى وراء لقمة العيش والحصول على فتات الرأسماليين ودفع نصف دخلهم فى الضرائب والطاقة، الخدمات الطبية والتعليمية المجانية لم تعد تكفيهم ومعونة البطالة والإعالة سحقها الغلاء ورواتب أصحاب الياقات الزرقاء والعمال وصغار الموظفين لا تكفى إلا لحياة كئيبة فحولهم صخب استهلاكى متضخم وبالكاد لا يملكون إلا ما يسد جوعهم وكأنهم حثالة، الملايين من الفئات الاجتماعية المتباينة فى التعليم والأشغال والأعمار جمعهم الفقر والحاجة والضغوط الاقتصادية التى لا تنتهى، وقرارات ماكرون الخائبة التى تحاسب رجال الأعمال أصحاب المليارات ضرائبيا مثلما تحاسب المهمشين، لم تجمعهم النقابات أو الأحزاب السياسية أو الجمعيات الأهلية بل جمعتهم مواقع السوشال ميديا فأصبحت صفحات الفيس بوك هى المنشورات الغاضبة التى يتبادلها الثائرون وتغريدات تويتر تحولت لأبواق حربو وحينما تجمعوا اكتشفوا أنهم أقوياء فإذا كان بضعة آلاف قادرين على هز عرش الدولة الفرنسية فماذا لو تجمع مئات الآلاف.. نحن أمام تطور سياسى خطير وسريع على مستوى أوروبا، النظام الرأسمالى المتوحش على العوام والأليف لأصحاب الأموال لم يعد يرضى طموحات الشباب، خطط التقشف وتدنى مستويات المعيشة والإصلاحات الاقتصادية القاسية والزيادة المتكررة فى الضرائب وأسعار الطاقة أرهقت المواطنين، لذلك ساند الملايين حركة السترات الصفراء وأصبحت رمز اجتماعيا للرفض ورجوع الحق، ففرنسا ليست بلد النور والجمال كما نراها من بعيد، فرنسا عنيفة مع فقرائها قاسية على عمالها لا تهب نورها وجمالها إلا لأغنياها والسائحين، وإذا كانت حكومة ماكرون تظن أن فى حركة السترات الصفراء مؤامرة أمريكية ردا على دعوة ماكرون بإنشاء جيش مستقل لأوروبا وحدها فإن هذا لا يعفيه هو أو حكومته أو الحكومات السابقة من مسؤولية ما يحدث، وأمريكا بشكل عام اعتادت أن تستفيد من مصائب الآخرين والإعلام الأمريكى رغم ما يشتهر به من حرية وشفافية إلا أنه فى النهاية يبحث عن مصالح مموليه، لذلك تحولت احتجاجات السترات الصفراء السلمية إلى ثورة سياسية، وارتفع سقف مطالبهم من إلغاء ضرائب الطاقة إلى إقالة ماكرون وحل مجلس النواب الفرنسى، المشكلة الآن أن كل ذلك يحدث بلا تنظيم وبعشوائية مقلقة فلم يستطع المجلس الذى كونته حركة السترات الصفراء من ثمانية من قياداتهم التوافق والوصول إلى مطالب وأهداف واضحة ومحددة، بل من الواضح أنهم فشلوا فى السيطرة على تجمعهم الأخير وتحول إلى أعمال تخريبية من المشاركين فيه، مما جعل ماكرون يقتبص دور الملاك الحارس، وهو يؤكد أنه سوف ينصت لكل مطالب المعارضين ويناقشها، ولكنه يرفض تماما العنف والتخريب، المجتمع الفرنسى يهتز من الداخل وينقسم بين إحساسه بالمسؤولية تجاه الطبقات الفقيرة المهمشة وبين إحساسه بالقلق من انتشار العنف فجأة واستغلال الأوضاع لصالح المجرمين والأوباش، خاصة أن الظهور الأول للحركة فى بروكسيل ببلجيكا اتسم بالعنف والدموية.. أتصور أن العنف الذى شهدته حركة السترات الصفراء سوف يكون حجر الزاوية فى تحريك الأحداث القادمة.. فأما أن تتحد قيادات الحركة بسرعة وتسيطر على الأوضاع وتضع مطالب وأهدافا محددة، أما أن تتحول السلمية إلى دموية ويستغلها المجرمون والناقمون والمتآمرون فى الإخلال بالأمن ونهب الممتلكات وإرهاب المواطنين، وهنا سوف تفقد المساندة الشعبية وتعاطف الأغلبية، وتتحول لبذرة شر لا كما بدأت شعاع أمل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة