أكرم القصاص

عولمة اليسار واليمين فى احتجاجات السترات الصفراء

الأربعاء، 05 ديسمبر 2018 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من الصعب قراءة الحاضر بقوانين الماضى أو العكس، وفى عالم السياسة تفرض الوقائع نفسها والظروف السياسية والاقتصادية، نقول هذا بمناسبة أحداث فرنسا والاحتجاجات التى نظمتها جماعات السترات الصفراء فى باريس، ودول أوروبية أخرى اعتراضا على رفع أسعار الوقود، فقد جاءت الاحتجاجات هذه المرة مختلفة عن السابق، مع الأخذ فى الاعتبار أن فرنسا دولة ديمقراطية واجهت من قبل إضرابات واحتجاجات، لأسباب فئوية ومطالب اجتماعية أو اقتصادية، وكثيرا ما تكون القرارات الاقتصادية سببا فى إثارة الاحتجاجات.
 
لكن الاحتجاجات هذه المرة تأتى فى ظل أزمات اقتصادية تعبر العالم، وصراعات سياسية حتى داخل حلف الناتو، وبين فرنسا وألمانيا من جهة، وأمريكا من جهة أخرى، يضاف إلى ذلك أن الصراعات والحروب التى شهدها الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة تلقى بظلالها، وتشير إلى أن عائدات صناعة وتجارة السلاح الأوروبى لم تعد تكفى لتعويض ما تلتهمه الحروب من مليارات تحترق لتخلف تضخما وفراغا وتضيع فرصا استثمارية.
 
وعليه فإن ما يجرى فى فرنسا، لا يمكن تشبيهه بأحداث 1968 التى عرفت بثورة الشباب، وكانت حركات تواجه أبوية شارل ديجول، وأساسها تشكلت من شباب اليسار الذى تبلور من السبعينيات فى اليسار الأوروبى الجديد، وكانت أبرز علاماته فرانسوا ميتران الذى شغل الرئاسة الفرنسية من 1981 حتى 1995، وهى أطول فترة يشغلها رئيس بعد ديجول، وبالرغم من أن مظاهرات 1968 استمرت لفترات أطول لم تشهد كم العنف والصدام الذى شهدته احتجاجات السترات الصفراء، كما أن حركة الشباب كانت تقدم قيادات مختلفة وتمت فى ظل وجود مفكرين كبار مثل جان بول سارتر، ومولد مفكرين مثل هربرت ماركوز الذى أنتج كتابات عن الإنسان ذى البعد الواحد وأنتجت فرنسا أفكارا تعالج مشكلات التسلط التى نتجت من تطبيق النظريات الاشتراكية خاصة فى الاتحاد السوفيتى. 
 
وعلى العكس تفتقد مظاهرات السترات الصفراء إلى زعامات أو وتشهد كثيرا من علامات الفوضى، والتدمير، ويصعب تحديد قيادات واضحة، فضلا عن خطأ التعميم فى التعامل مع الأحداث باعتبارها من تنظيم اليمين او اليسار، مع وجود تنويعات من الطبقة الوسطى، وفئات من المهمشين والفقراء الذين يعانون من تأثيرات العولمة، فضلا عن إشارات تكررت فى السنوات الأخيرة حول تجاهل المناطق والأحياء الفقيرة فيما يتعلق بالخدمات والبنية والبرامج الاجتماعية.
وبالتالى فإن ما يجرى يحمل أنواعا من التغييرات التى تمثل نتاجا لثورة الاتصالات ومواقع التواصل، خاصة أن فيس بوك وتويتر وباقى أدوات التواصل لعبت دورا فى تنظيم المظاهرات، تماما مثلما جرى فى الربيع العربى. 
 
وبالرغم من إعلان الرئيس الفرنسة إيمانويل ماكرون عن اتجاه للتراجع عن قرارات ضرائب الوقود، فقد تواصلت الاحتجاجات وما تزال تحمل ملامح مختلفة، تبدو فى جزء منها إعادة إنتاج لاحتجاجات عصر العولمة. 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة