أكرم القصاص - علا الشافعي

كريم عبد السلام

أصحاب السترات الصفراء فى فرنسا – البرنامج الأمريكى

الأحد، 09 ديسمبر 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا أردنا أن نعرف ما يمكن أن تؤدى إليه احتجاجات أصحاب السترات الصفراء فى فرنسا، سيكون ذلك فى عبارة واحدة : «مزيد من التصعيد»، وإذا أردنا أن نفهم أسباب هذا التصعيد رغم قرار حكومة ماكرون بتعليق قرار زيادة أسعار الوقود ستة أشهر، فلابد أن نضع الصور إلى جوار بعضها البعض حتى نكون مشهدا واضحا بديلا للمشهد الملتبس الحالى. 
 
أصحاب السترات الصفراء يرفضون فض احتجاجاتهم بعد انتصارهم الرمزى فى معركة أسعار الوقود مع ماكرون وحكومته وقرروا التصعيد بالبقاء فى الشوارع وإشعال النار فى شوارع باريس والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة ومواجهة رجال الشرطة وحددوا معركة رمزية مع الحكومة هى رفع الحد الأدنى للأجور، وحتى إذا تراجع ماكرون للمرة الثانية ووافق على زيادة الحد الأدنى للأجور، لن تتوقف الاحتجاجات بل ستجتذب إلى صفوفها مجموعات جديدة أكثر تنظيما ولها تاريخ من العمل السياسى والعمل السرى، وستطالب ساعتها برحيل ماكرون وإسقاط حكومته وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة.
 
إدوار فيليب، رئيس الحكومة الفرنسية، أعلن من جانبه نشر 95 ألف عنصر أمنى فى أنحاء البلاد تحسبا لموجة الاحتجاجات الجديدة، كما جدد تحذيراته بأن الحكومة لن تتردد فى ملاحقة المخربين ومثيرى الشغب ومحاسبتهم وفق القانون، مرددا كلام الرئيس ماكرون من ضرورة التفرقة بين المواطنين السلميين الذين يرفعون مطالبهم دون الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وبين مثيرى الشغب الذين يتسببون بأضرار بالغة للاقتصاد
 
وما بين مطالب المحتجين وموقف الحكومة والتصعيد الحتمى بين الجانبين، لابد أن نضع فى المشهد التحركات السياسية والسرية لأحزاب ومجموعات تسعى لتحويل الاحتجاجات إلى حراك منظم وضاغط على حكومة ماكرون، فجماعات اليمين المتشدد نشطت خلال الاحتجاجات ويعتبرها الخبراء المسؤولة عن رفض التجاوب مع قرار تعليق زيادة أسعار الوقود والتصعيد التدريجى فى المطالب، بدءا من الحد الأدنى للأجور إلى استقالة الحكومة واستقالة ماكرون أيضا
 
شهود عيان ومحللون صحفيون يشيرون إلى وجود مئات المسلحين اليساريين وسط المحتجين، وهؤلاء يحولون الاحتجاجات إلى مواجهات مباشرة مع الشرطة من خلال بناء الحواجز وإشعال النيران فى الشوارع وتدمير سيارات الشرطة والمبانى العامة، وهؤلاء المسلحون مدربون جيدا على تكتيك المواجهة وإحداث الخسائر ثم الانسحاب فى توقيت مثالى قبل القبض عليهم .
 
الجماعات الراديكالية اليمينية اندمجت تلقائيا بحركة السترات الصفراء للقفز على الاحتجاجات وتحويل مسارها إلى منصة سياسية مشتعلة يشهدها العالم كله، حتى يمكن الإعلان عن الأجندات المتطرفة التى ترفض المهاجرين والأقليات وتطالب بسياسات قومية، ومن بين هذه الجماعات جماعة الدفاع عن الاتحاد التى تتبنى العنف تجاه المهاجرين والمسلمين وجماعة العمل الفرنسى المحظورة والمعروفة بميولها الفاشية وعدد من زعماء التطرف الذين يطالبون بثورة وطنية شعبية من أجل استعادة الهوية الفرنسية الضائعة،كما يطالبون بخروج فرنسا من  الاتحاد الأوروبى وطرد المهاجرين والمسلمين من البلاد. 
 
هذه الحركات والجماعات اليمينية التى تؤجج الاحتجاجات فى فرنسا، قرارها ليس من داخل فرنسا، وسقف تطلعاتها يتم صنعه فى أروقة أجهزة الاستخبارات الأمريكية، والمعركة الآن تتعدى أسعار الوقود أو الحد الأدنى للأجور، إلى إذلال إيمانويل ماكرون وحكومته، فإما أن يلجأ للمفاوضات السرية مع الأجهزة التى تشعل الشارع فى بلاده ويبحث عن وسيلة يبرر بها التنازلات الضخمة عن تصريحاته ومواقفه التى تحدى فيها ترامب والولايات المتحدة، وإما أن يتحمل الضربات المتتابعة والخسائر الاقتصادية المتوالية، والتى يمكن أن تحول فعلا الاحتجاجات الباريسية المدعومة من اليمين المتطرف إلى احتجاجات شعبية واسعة فى عموم البلاد
 
بمعنى آخر، مما يحدث فى فرنسا نموذج حي لتجربة إخضاع أوروبا بقسوة وجلافة على طريقة ترامب، إما أن يدوروا فى فلك السياسات الترامبية الفجة تجاه العالم أجمع ويدفعوا ما يطلب منهم أن يدفعوه، أو أن يتعرضوا لضربات وعقوبات قاسية ومنها تحريك الجماعات والأحزاب الدينية واليمينة المتطرفة لإشعال البلدان الأوربية، أى الخيارين أنسب لفرنسا وألمانيا والدول الأوربية الأخرى؟ أعتقد أن ماكرون سيركع ولكنه يبحث عن الوسيلة التى يقدم بها إلى العالم ركوعه وانصياعه للسياسات الترامبية!









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة