عندما تجتمع الإحدى عشرة دولة الأعضاء فى منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، فهى لا تجتمع لتحدد فقد مصير اقتصاداتها وموازناتها القائمة على النفط بشكل أساسى، ولكن تصبح كافة دول العالم رهن القرارات التى تتخذها أوبك ويترتب عليها زيادة أو تخفيض أسعار النفط العالمية، والموازنة المصرية دائما ما تكون رهنا لهذه القرارات باعتبارنا دولة مستوردة للنفط أو البترول.
وقبل يومين اتخذت أوبك قرارا بتخفيض إنتاج النفط العالمى بما يزيد عن مليون برميل لمدة 6 أشهر، وهو ما يترتب عليه بصورة مباشرة زيادة أسعار البترول مع تراجع المعروض العالمى منه، ورغم أن هذا القرار يأتى فى صالح اقتصاديات الدولة المصدرة للنفط والتى تحقق فوائض مالية من ارتفاع الأسعار، إلا أن الدول المستوردة تتضرر بصورة كبيرة جدا، نتيجة تحمل موازناتها لاستيراد بترول بأسعار مرتفعة، ولكن إلى أى مدى تضررت موازنة السنة المالية الحالية 2018/2019 من ارتفاع أسعار النفط؟
عندما تم إعداد موازنة السنة المالية الحالية التى بدأت أول يوليو الماضى، وضعت وزارة المالية سعر تقديريا لبرميل البترول عند 67 دولارا للبرميل، استنادا إلى توقعات المؤسسات الدولية لأسعار النفط خلال السنة وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليين، ولكن قبل أن تدخل الموازنة حيز التنفيذ ارتفعت الأسعار متخطية حاجز الـ70 دولارا للبرميل، وظلت الأسعار مرتفعة على مدار الأشهر الخمسة الأولى من السنة المالية الحالية حتى تخطت قبل حوالى شهر مستوى الـ80 دولارا للبرميل، ثم عاودت الهبوط التدريجى لتدور حاليا عند مستوى 70 دولارا للبرميل.
ورصدت موازنة السنة المالية الحالية مبلغ 89.9 مليار جنيه لدعم المواد البترولية، وبحسب تصريحات سابقة لوزير المالية الدكتور محمد معيط، فإن كل دولار زيادة فى برميل البترول عن المستهدف بالموازنة العامة يكلف الدولة من 3 – 4 مليار جنيه إضافية لدعم المواد البترولية، وفى حالة إذا ما استقر متوسط السعر فى حدود 70 دولار للبرميل، فهذا يعنى أن الموازنة ستتكلف زيادة فى مخصصات الدعم فى حدود 9 – 12 مليار جنيها إضافية، فهل أصبحت الموازنة العامة فى ورطة بالفعل؟
إذا نظرنا إلى نتائج الربع الأول من السنة المالية الحالية (يوليو – سبتمبر) 2018/2019 فنجد أن الموازنة تحملت مبلغ 23 مليار جنيه لدعم المواد البترولية، بحسب تصريحات سابقة لوزير البترول، فى الوقت الذى كانت أسعار البترول مرتفعة فى حدود 74 – 75 دولارا للبرميل، وهى مؤشرات على أن الموازنة لم تتأثر بالسعر المثير للقلق، وكان مرجع هذا التأثير المحدود هو انخفاض حجم استهلاكنا من المواد البترولية فى حدود 6% عن نفس الفترة من العام الماضى.
ومعنى ذلك أن زيادة التكلفة التى تحملتها الموازنة فى شراء برميل البترول، عادلها تراجع معدل استهلاكنا للمواد البترولية، وبالتالى سيظهر التأثير الحقيقى مع نهاية السنة المالية فى 30 يونيو المقبل مع تحديد متوسط سعر برميل البترول خلال السنة، وبالتالى احتساب التأثير على الموازنة.
وفى الأسابيع القليلة الماضية شهدت أسعار البترول العالمية انخفاضا تحت ضغط من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى يسعى لخفض الأسعار دون مستوى 60 دولارا للبرميل، وووصلت الأسعار لحدود 65 دولارا للبرميل، وهو ما يعنى أن الموازنة يمكنها تحقيق فائض فى مخصصات دعم المواد البترولية ولكن للأسف لم يستمر هذا الفائض سوى لأيام محدودة، وعادت الأسعار للارتفاع مجددا بعد اتفاق الدول المصدرة للبترول "أوبك" على تخفيض الإنتاج بما يزيد عن مليون برميل لمدة 6 أشهر، فهو ما يعنى أن الأسعار ستعاود الارتفاع مجددا بعد تخفيض المعروض، ولن تتمكن الموازنة من تحقيق الفوائض المأمولة، ولكن جميع هذه التأثيرات لا يمكن الجزم بها على وجه الدقة فى الوقت الحالى، مع تذبذب الأسعار بشكل مستمر، فقد لا تتمكن الموازنة من تحقيق فائض ولكن على الأقل لن تشكل الأسعار المرتفعة تهديدا كبيرا مع استمرار تراجع الاستهلاك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة