أولى المصريون عبر العصور اهتماما خاصا للكعبة المشرفة ومسجد الرسول الكريم، وليس أدل على هذا من أن بيت الكسوة كان موجودا فى مصر، وأن المصريين هم الذين تعهدوا أمام الله برعاية بيت الله الحرام منذ مئات السنين، مؤسسين بهذا الاعتناء قواعد فن مبهر هو فن «الكسوة» الذى تنافس على الإجادة فيه أمهر الصناع وأكثرهم خبرة، فصارت كسوة الكعبة لوحة فنية مكتملة الأركان، يتضافر فيها فن النسج مع الرسم مع الخط لتتحول بعد استعمالها إلى آيات من الفن المقدس، يحتفظ بها الكثيرون من أهل الفن والتقوى على حد سواء.
من هنا تأتى أهمية عمل متحف خاص باسم «متحف الكعبة» ويعتنى هذا المتحف المتخصص بكل تراث الكعبة فى مصر، من كسوات أو مفاتيح أو حتى تحف منقولة كانت مخصصة للاستخدام فى الحرمين الشريفين، بما فى ذلك التراث الشفهى والأناشيد الدينية، وأتخيل أن يتم بناء هذا المتحف على غرار بناء الكعبة المشرفة ذاتها، وأن يتم عرض هذه المقتنيات المقدسة للجمهور من كل بقاع العالم، مع عمل نماذج «ماكيتات» لشكل الكعبة عبر العصور، وتطور عمارتها وإبراز دور المهندسين المصريين الذين أضافوا إلى الكعبة المشرفة العديد من الإمكانيات المعمارية الكبيرة مثل شيخ المهندسين الراحل محمد كمال إسماعيل الذى تحدى الطبيعة وجعل الكعبة المشرفة التى تتميز بحرارة الجو من أكثر الأماكن ترطيبا فى السعودية بالعديد من الحيل المعمارية المبهرة.
أتخيل أيضا أن يصبح هذا المتحف من أشد متاحف مصر تميزا، وذلك لأنه يمزج بين البعد الدينى والبعد التاريخى والبعد الفنى والأثرى، ولا أبالغ إذا قلت إننا لو أنشأنا هذا المتحف بدرجة كبيرة من الاحترافية والفنية فإنه سيصبح من أهم محطات السياحة الدينية فى مصر، بشرط أن يتم تجسيد كل مشاعر الحج فيه، ولو حتى بشكل مبسط، فيتحول التجول فى المتحف إلى ما يشبه الدورات التدريبية لمحاكاة أداء فريضة الحج، وشىء كهذا سيجعل كل من يريد حج بيت الله الحرام سيأتى إلى مصر ليرى بدائع الفن ويتدرب على إقامة الفريضة بشكلها الراقى المقدس، ولا تحتاج مصر لإنشاء متحف كهذا سوى «قرار» و«إرادة»، خاصة أننى أعلم تماما أن مصر تحتفظ بالعديد من القطع الفنية المبهرة التى تصلح لتأسيس عدة متاحف وليس متحفا واحدا فحسب.
نشر هذا المقال فى 14 فبراير 2016 تحت عنوان «دعوة لإنشاء متحف الكعبة»