كتبت فى مايو 2017، مقالا تحت عنوان «من هو الزعيم الذى يستحق الفوز برئاسة مصر 2018؟!»، وتساءلت: هل الزعيم من ينسحب فى وقت المحنة، ويظهر فى وقت الرخاء؟ ونظرا للأوضاع التى تمر بها البلاد الآن، أعيد طرح السؤال عن مفهوم الزعامة، ومن الذى يصلح أن يكون زعيما.
وبما أننا مررنا بمحن شديدة طوال السنوات السبع الماضية، فإن المصريين اكتسبوا خبرة وحنكة الفرز والتقييم، وسبقوا كل من يرون فى أنفسهم «نخبة» وسياسيين ونشطاء، لذلك لم يلتفوا طوال 3 سنوات وتحديدا منذ 2011 وحتى 2014 إلا حول عبدالفتاح السيسى، واختاروه عن قناعة رئيسا للبلاد، وأدركوا من خلال الإنجازات ومجابهة المخاطر الجسيمة، وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد، أن اختيارهم كان صحيحا.
بينما الجهابذة من نشطاء وإعلاميين ونخب ومتثورين، لديهم اعتقاد إلى حد اليقين، أنهم يقبضون على بوصلة توجيه الشارع، والقدرة على الإقناع بأن عبدالمنعم أبوالفتوح كان الأصلح لحكم مصر من المعزول محمد مرسى العياط، وأن خالد على زعيم سياسى، وحمدين صباحى زعيم تاريخى، وممدوح حمزة عبقرى زمانه والذى يفهم فى كل شىء ويستطيع أن يدهن الهواء «دوكو»، ومحمد البرادعى، الهارب فى النمسا، رسول الحرية ومنقذ البشرية، وأيمن نور، الهارب فى تركيا، زعيم سياسى كبير.
ولعب هؤلاء دورًا بارزًا فى تشويه مفهوم لقب «الزعيم»، وأفرغوه من مضمونه الحقيقى، وجعلوه خاويًا، فوجدنا محمد مرسى العياط زعيمًا ورئيسًا لمصر.
و«الزعيم» لقب لا يمكن أن نطلقه على كل من هب ودب، وإنما يطلق على من يظهر فى وقت الشدة ويختفى فى وقت الرخاء، وليس العكس، وكما قال الكاتب العبقرى أحمد بهاء الدين، فى مقال له منشور فى روزاليوسف يوم 5 مايو 1952، تحت عنوان «من هو الزعيم؟»، قد علمنا التاريخ أن الزعيم لا تمخض عنه محنة أو شدة، وأن نجمه لا يلمع إلا فى الظلام، فنحن لا يمكن أن نفهم دور غاندى إلا إذا عرفنا أية هوة سحيقة كان شعب الهند مترديًا فيها وأية أمراض اجتماعية واقتصادية وأخلاقية قاتلة كانت تنهش فى كيانه، حين تصدى غاندى للزعامة.
وَيَا سبحان الله، المقال يسرد حال مصر عام 1952، وكأنه يسرد واقعنا الحالى 2017، بنفس التفاصيل، فكم من شخصيات تحاول ترشيح نفسها لمنصب الرئاسة، وترسم لنفسها لوحة زعامة كبرى، رغم أن هؤلاء وسط الأزمات الخطيرة التى مرت بها البلاد هرب منهم من هرب خارج مصر، ومنهم من طبق سياسة القردة الثلاثة، لا أرى شرًا، لا أتحدث شرًا، لا أسمع شرًا، وعقد الصفقات مع جماعات وتنظيمات طمعًا فى الحصول على قطعة من تورتة الحكم، ومن يخرج فى أبواق معادية ليهيل التراب على الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويعلن مقاطعته، ومنهم من يعارض قرار الحرب لاجتثاث الإرهاب من سيناء والحدود الغربية.
فهل مثل هؤلاء يصلحون أن يكونوا زعماء؟ يقول العبقرى أحمد بهاء الدين فى مقاله: «الباشا يريد أن يكون الاشتغال بالسياسة كالاشتراك فى نادٍ أو ممارسة لعبة رياضية، والسياسة- مع الأسف- ليست نزهة رياضية فى طريق ممهد، والزعامة ليست بطولة فى التنس مثلًا.. إنما هى أن تقتحم منطقة الوباء متعرضًا لجراثيمها، وتغرس قدميك فى الطين، وتصارع حتى تلهث، وتمد يدك الخشنة إلى الشعب الغارق فى الأوحال، وشعبنا الذى ينهض من الطين بنفسه يفرح بكل يد تمتد إليه بالعون، وكل صوت يدعوه إلى هدى، وهذه هى اللحظة، التى يمتحن فيها الزعماء».
وإذا أسقطنا ما قاله العبقرى أحمد بهاء الدين منذ 65 عامًا فى توصيف الزعيم، على واقعنا الحالى، فإنه لا ينطبق إلا على الرئيس عبدالفتاح السيسى، فالرجل ظهر فى الوقت الأصعب والأخطر فى تاريخ مصر، وبرز نجمه وسط الظلام الدامس لينير الطريق، وينقذ البلاد من كارثة السقوط فى بحور الفوضى والانهيار والانقراض، وتصدى لجماعات إرهابية مدعومة من دول وكيانات وأجهزة استخباراتية، وعرض مستقبله كونه وزيرًا للدفاع يتمتع بحصانة دستورية، لمدة 8 سنوات كاملة، للخطر، وحمل كفنه على يديه، وحقق إنجازات لا يمكن لجاحد إلا أن يضعها فى موسوعة الأرقام القياسية «جينيس ريكورد»، كما اتخذ قرار إعلان الحرب على الإرهاب.
لابد أن نسمى الأمور بتسمياتها الحقيقية، دون مزايدات وطنطنة بالكلمات، وتلون المواقف، فكل فريق حمدين صباحى من الشباب تحت سن الـ«70» عاما، والهاربون خارج البلاد وعلى رأسهم محمد البرادعى، لا يمكن أن يصلحوا زعماء، بل «كومبارس» عفى عليهم الزمن.
ولَك الله يا مصر من هؤلاء الذين يظهرون على الناس باعتبارهم نخبًا وسياسيين لا يشق لهم غبار، وجاثمين على صدر البلاد والعباد، يعبثون بعقول الناس، ويشوهون الحقائق، ويمجدون الباطل، وينهشون فى سمعة الشرفاء، ويرفعون من شأن التافهين!!
وتحية وإجلالاً، لأصغر جندى وصف ضابط وضابط بالجيش أو الشرطة، يخوض معركة تطهير البلاد من دنس الإرهاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة