هشام جنينة أخذته العزة بالنفس، فشطحت به إلى تجاوز سقف الخيال فى 23 ديسمبر 2015 عندما كان يشغل منصب رئاسة الجهاز المركزى للمحاسبات، وأدلى بتصريحات حينها عن حجم الفساد، قائلا: «إن تكلفة فاتورة الفساد تجاوزت خلال عام 2015 قرابة 600 مليار جنيه»، وهو رقم خزعبلى، لا يمكن أن يستقيم حتى مع أبسط قواعد العقل، ويتقاطع بشدة مع جميع أدوات المنطق.
كان هدف هشام جنينة حينها إثارة البلبلة، والتأكيد على أن هذا الفساد وقع فى عام واحد مع بداية حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى اختاره الشعب عقب ثورة 30 يونيو الشعبية التى جرفت حكم الإخوان، وألقت به فى بالوعات التاريخ الأسود.
واعتقد جنينة حينها أن تصريحاته ستمر مرور الكرام، وأن الدولة لن تلقى لها بالا، إلا أن مؤسسات الدولة، وفى القلب منها الأجهزة الرقابية، تحركت وشكلت لجانا تضم صفوة من أعضاء هذه الأجهزة، وكشفت بالأدلة والبراهين، كذب تلك الأرقام، وأن نسخة من هذه التقارير ذهبت لجهات خارجية، وكان الخوف كل الخوف أن منظمة الشفافية الدولية تعتمد على هذه التصريحات والتقارير التى تقطر كذبا، وسُما، وتصنف مصر فى مكانة بارزة بين الدول التى ينتشر فيها الفساد، وهو ما سيؤدى إلى فرار الاستثمارات وعدم ثقة المؤسسات الكبرى، فى الاقتصاد المصرى.
وكانت لشطحات هشام جنينة مردودها السيئ عليه، وأثبت من خلالها أنه وباقى جماعة الإخوان لا يتمتعون بقدرات رجال الدولة، وأنهم مجرد جماعات وتنظيمات تتحكم فيها مشاعر الحب والكراهية فقط، يحبون أنفسهم، ويداهنون كل من يتحكم فى مصيرهم، ولديهم استعداد للتعاون مع الشيطان فى سبيل الوصول لأهدافهم، ويكرهون كل من ليس منهم، أو يتعارض مع مصالحهم، لذلك سطروا فشلا مدهشا.
وبعد مرور ثلاث سنوات، خرج علينا هشام جنينة بتصريحات ضمن حوار أجراه معه موقع قطرى إخوانى يدعى «هاف بوست» فاق كل التصورات، مؤكدا تحرشه بالدولة ومؤسساتها من جديد، عندما جزم بأن سامى عنان، مستشار المعزول محمد مرسى، أكد له أن بحوزته وثائق ومستندات خطيرة، تكشف أحداث الفترة ما بين 2010 ومرورا بأحداث 25 يناير وما تلاها وثورة 30 يونيو وما تلاها، وأنه هربها خارج البلاد.
اعتقد جنينة وللمرة الثانية، أن تصريحاته ستمر مرور الكرام، ولن تقف أمامها الدولة ومؤسساتها المعنية كثيرا، وهو تقدير خاطئ، وعدم قراءة جيدة للأحداث والظروف التى تمر بها البلاد، وطبيعة المرحلة، والنظام السياسى الحالى، الذى لا يقبل أن توجه اتهاما لمؤسسة من المؤسسات دون الرد والتحقيق والتأكد من صحة الادعاءات، وأن عصر إخفاء الحقائق انتهى، لذلك تحركت المؤسسة العسكرية، وأصدرت بيانا مساء أمس الأول، قالت فيه: «فى ضوء ما صرح به المدعو هشام جنينة حول احتفاظ الفريق مستدعى سامى عنان بوثائق وأدلة يدعى احتواءها على ما يدين الدولة وقيادتها، وتهديده بنشرها حال اتخاذ أى إجراءات قانونية قبل المذكور، وهو أمر بجانب ما يشكله من جرائم يستهدف إثارة الشكوك حول الدولة ومؤسساتها، فى الوقت الذى تخوض فيه القوات المسلحة معركة الوطن فى سيناء لاجتثاث جذور الإرهاب».
وأضاف البيان: «هو الأمر الذى تؤكد معه القوات المسلحة أنها ستستخدم كل الحقوق التى كفلها لها الدستور والقانون فى حماية الأمن القومى والمحافظة على شرفها وعزتها، وأنها ستحيل الأمر إلى جهات التحقيق المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية قبل المذكورين».
ولم يمر وقت طويل على صدور بيان القوات المسلحة، حتى فوجئنا بنجل سامى عنان يخرج علينا فى بيان رسمى، ينفى فيه جملة وتفصيلا تصريحات هشام جنينة، ووصفها بالادعاءات والأكاذيب ضد الجيش المصرى، وأنه كلف محامى والده لتقديم بلاغ ضد هشام جنينة فى أقرب قسم شرطة.
كما أصدر ناصر أمين محامى سامى عنان بيانا، قال فيه: أعلن بصفتى محامى الفريق سامى عنان بأن كل ما جاء من تصريحات على لسان المستشار هشام جنينة منسوبة لموكلى هى أقوال عارية تماما من الصحة ولا تمت للواقع بصلة، وإننا سوف نتخذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة ضده وضد كل من يدلى بتصريحات تؤدى إلى المساس بموقف موكلى القانونى وتعرضه لخطر المساءلة القانونية والمجتمعية.
تواتر الأحداث بهذه السرعة والكيفية، لم يتخيلها كعادته هشام جنينة، والحمد لله أن التصريحات منشورة فى موقع قطرى إخوانى وليس مصرى، حتى لا يخرج علينا ويملأ الدنيا ضجيجا وصراخا بأن الإعلام المصرى يشوه صورته ويقلب الحقائق !!
والسؤال، إذا كانت تصريحاته الكاذبة عن حجم الفساد، قد تسببت فى طرده من الجهاز المركزى للمحاسبات، فهل السجن ينتظره بعد التصريحات الكاذبة عن وجود وثائق تمس الأمن القومى المصرى، هربها سامى عنان للخارج؟
فى دولة المؤسسات، لابد أن يتحمل كل فرد مسؤولا كان أو شخصية عامة، أو مواطن بسيط، تكلفة فاتورة سلوكه من تصرفات وتصريحات وادعاءات تتقاطع مع القانون!!
ولك الله يا مصر...!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة