السلفية أشكال وألوان، فليس معناها فقط اتباع خطى السابقين الذين بعدت بيننا وبينهم المسافات أو وضع الحافر على الحافر كما يحلو للبعض أن يقول، لكنها تعنى أيضا ثبات الأفكار والخضوع لظاهر الأمور وهو ما حدث مؤخرا فى أحد المتاحف البريطانية.
كانت البداية فى شهر يناير الماضى، عندما فوجئ زوار معرض مانشستر للفنون، ببريطانيا، بإزالة لوحة «الحوريات» من المتحف، بعد إثارتها الكثير من الجدل والنقاش بسبب النساء المتواجدات باللوحة، هذه اللوحة رسمها جون ويليان ووترهاوس منذ حوالى 120 سنة، وتصور اللوحة الحوريات وهن فى بركة يقمن بإغراء رجل يسمى «هيلاس».
وقالت مسؤولة المتحف، إن بعض الزوار رأوا أن الفتيات فى اللوحة «قاصرات»، وهذا ما دفع المتحف بإزالة اللوحة ووضع بدلا منها ورقة تفسر سبب الإزالة، لكن الكثير من الزوار لم يعجبهم الأمر واتهموا المتحف بأنه يمارس رقابة مما دفع «كلير جاناواى» منسقة المعارض للدفاع قائلة «لم يكن الأمر يتعلق بإنكار وجود أعمال فنية معينة»، المهم هو أن رفع اللوحة لم ينل إعجاب الزوار البريطانيين، وطالبوا بإعادة اللوحة، وعلى الفور قام منسقو المعرض بعرض اللوحة من جديد بعد أسبوع من رفعها، وحاول المتحف أن يرد على منتقديه، بأنه أزال الوحة ليخلق نوعا من المشاركة الاجتماعية بين الزوار لفهم فن الفيكتورى اليوم.
والسؤال: كيف فكر هؤلاء البريطانيون بأن البنات المرسومات فى اللوحة قاصرات؟ أى أن أعمارهن لم تصل بعد للسن المسموح به كى يقمن بإغواء الرجال، لذا كان على المتحف أن يحدد لنا ما هو عمر الحوريات للإغواء، كما أنهم كيف يحاسبون الفن بمنطق الواقع والمعيش، فاللوحة فى معناها «جمالى» خالص، تثير فى النفس عوامل مختلفة محببة منها الإغواء لكن ليس من بينها الشعور الجنسى الخالص، بمعنى أن اللوحة محتفظة بقدر كبير من بعث الشعور وليست فجة صريحة تخاطب الغرائز.
أكاد أظلم السلفية لأننى ربطت بينها وبين هؤلاء البريطانيين الذين ربما وصلت إليهم «شكوى» من أحد الموتورين يحدثهم عن «صغر سن البنات فى اللوحة» وهو ما أفزع القائمين الذين خشوا أن يربح ذلك الموتور قضية ضدهم ويلزمهم بذلك فاختاروا هم أن يقوموا به نيابة عن المحكمة، فارتكبوا هذا الخطأ الكبير.
لكن يظل هناك وجه مضىء فى الحكاية يتمثل فى الزوار الذين استطاعوا خلال أسبوع واحد فقط لا غير أن يعيدوا اللوحة مرة أخرى إلى مكانها فى العرض، بما يؤكد أن المراهنة الحقة تكون على الناس الواعين.