الحرف اليدوية من أقدم الحرف وأصعبها على الإطلاق، ورغم اندثار معظم هذه الحرف بالوقت الراهن لانخفاض دخلها وإشكاليات الترويج والتسويق، لارتباط أغلبها بقطاع السياحة، فإن المنتجات اليدوية التى تحمل شعار "صنع فى مصر"، مازالت قادرة على العطاء والإنتاج، رغم معاناة أصحاب هذه المهن.
تقتصر هذه المهن، على فئة محددة توارثتها أبا عن جد فى اغلب الأحيان، ولكن المثير للدهشة عند أبطال هذا التقرير، أنهم تركوا مجالات دراستهم فى الهندسة والمحاماة والفنون التطبيقية، ليعملوا فى مهن حرفية بسيطة، لسبب واحد فقط، وهو أن هذه الحرف هوايتهم الوحيدة وتحمل فى النهاية شعار "صنع فى مصر".
عم "بركات" محامى مع إيقاف التنفيذ لعشقه ممارسة فن "الخيامية" منذ 40 عاما
فن الخيامية، من أهم وأقدم الحرف اليدوية المتعلقة بالتراث المصرى، تعلق عم "بركات" الشديد بهذه المهنة جعله يترك مجال المحاماة، رغم حصوله على تقدير "جيد جدا" من أجل ممارسة هوايته المفضلة فى النقش على القماش داخل ورشة والده.
"بقالى فى المهنة أكتر من 40 سنة" بهذه الكلمات يروى "بركات يسرى"، قصة عشقه بفن الخيامية قائلا: "كنت انتظر عودتى من المدرسة وأنزل إلى ورشة ابى لمعاونته فى نقش المفروشات طوال النهار، فكانت هذه هى هوايتى المفضلة، لذلك لم أتردد كثيرا أن أواصل مهنة والدى رغم تخرجى من كلية الحقوق".
ويروى بركات لـ"اليوم السابع"، قائلا: "مصر هى الدولة الوحيدة المتميزة فى هذا الفن، رغم أن حال المهنة تبدل كثيرا فى هذا الوقت، إلا أننا مازلنا فى الصدارة"، وعن أحوال المهنة قال : "معظم الأيدى العاملة فرت من مهنة الخيامية وفضلت الالتحاق بمهن ذات ربح سريع وأغلب "الصنايعية" أصبحوا سائقى "تكاتك"، وهذا إثر بشكل كبير على أحوال هذه الحرفة".
وأوضح، أن المهن اليدوية ترتبط بقطاع السياحة على نحو كبير، لذا مع تراجع السائحين الفترة الماضية تأثرت المهنة كثيرا، لذلك الحل الوحيد لإنعاشها من جديد هو تكثيف المعارض المحلية والخارجية، فهو سبيل الدولة الوحيد لإحياء هذه المهن الهامة.
وعن كيفية أثر حصوله على شهادة جامعية فى مهنته اليدوية، قال: "التعليم منحنى ثقل وجعلنى قادر على التطور والتجديد فى مهنتى، فتمكنت من إدخال العديد من التغيرات عليها ظهرت أبرزها فى إدخال ألوان جديدة غير معهودة على هذا الفن مثل اللون الأحمر والأخضر، بعد أن كان الألوان تقتصر على الزيتى والكحلى فقط، كما تمكنت من إنتاج براويز ومفروشات بمقاسات كبيرة للغاية، فضلا عن تنوع منتجات فن الخيامية إلى أشكال حقائب وملابس، بعد أن كانت تقتصر على المفروشات فقط.
وعن طموحه فى مهنة الخيامية، قال بركات : "نفسى اولادى يكملوا مسيرتى والفن ده ميروحش، عشان كده أنا بجانب انى بعلمهم فى مدارس لغات، حرصت أن اخلى ابنى الوحيد يتعلم فن الخيامية من الصغر".
سهير تركت الهندسة من أجل عيون فن التطريز
لم تتردد "سهير" فى ترك مجال عملها كمهندسة قسم ميكانيكا لتمارس هوايتها المفضلة وهى "التطريز" والحياكة، وتروى المهندسة سهير قائلة: "لم أخجل من عملى فى مجال التطريز رغم أننى مهندسة، فكان هدفى الأساسى هو ممارسة عمل أحبه وأشعر بسعادة به، ولم أعبأ بنظرة المجتمع واندهاشهم من تركى مجال الهندسة من أجل التطريز، موضحة: "أن الحياكة أعطتها الفرصة للتفرغ لتربية أبنائها وتعليمهم دراسيا، فضلا أن دخلها جيد، برغم ارتفاع تكلفة الخامات فى الفترة الأخيرة".
وأوضحت المهندسة سهير: "لم أملك ورشة خاصة بى ولكنى أصنع كل هذه المنتجات فى منزلى، وأنتظر معارض الأسر المنتجة الخاصة بوزارة التضامن الاجتماعى للمشاركة بها، وأكثر ما أسعدنى هو التوسع فى هذه المعارض مؤخرا فهى الوسيلة الوحيدة للترويج عن منتجاتى".
وعن طموحاتها قالت سهير : "نفسى افتح مشغل كبير واعلم اهل منطقتى الحياكة وفن التطريز، واسافر بمنتجاتى بكل المحافظات".
وتابعت "سهير": "حرصت على تعليم بناتى بعض الحرف اليدوية، فابنتى الصغيرة تعلمت "التريكو" لإنتاج السجاجيد اليدوية، وابنتى الكبرى تعلمت فن الحياكة والتطريز أيضا، موضحة: الشهادة الجامعية هامة للغاية لكنها ليست السبيل الوحيد لتأمين مستقبل الشخص".
وفاء خريجة فنون تطبيقية: الحياكة مصدر دخلى بعد وفاة زوجى لتربية أبنائى
أما "وفاء" تركت مجال دراستها كخريجة كلية فنون تطبيقية ، وأصرت على ممارسة هوايتها فى الحياكة وإنتاج مفروشات العرائس المختلفة ، وعن سبب تمسكها بهوايتها أوضحت "وفاء" قائلة: "تركت مجال دراستى لعشقى بالخياطة والتطريز، وبعد وفاة زوجى أصبحت مسئولة عن تربية أبنائى بمفردى، لذلك فضلت التوسع فى مشروعى وافتتاح ورشة صغيرة لصناعة المفروشات الخاصة بالعرائس، وبالفعل تواصلت مع وزارة التضامن الاجتماعى للمشاركة بمعارض الأسر المنتجة لتسويق منتجاتى".
وقالت "وفاء": "تعلم الحرف اليدوية من أهم الخطوات التى يجب على كل سيدة الحرص على معرفتها، فأحيانا تصبح الشهادة بلا قيمة وتكون هذه الحرفة هى مصدر دخلك الوحيد، لذا فأحرص على تعليم اهل منطقتى حرفة الحياكة والتطريز مثلما تعلمت".
وعن المشكلات التى تواجهها فى عملها، قالت: "التسويق هى الأزمة الوحيدة التى تواجهنى، فعدد المعارض المنعقدة على مدار العام قليلة وليست كافية، لذا لابد من التوسع فى إقامة هذه المعارض بصفة شهرية، حتى نتمكن من عرض منتجاتنا وتسويقها".
طارق ترك صناعة الذهب واتجه لصناعة الكليم العربى
لم يتغير حال "طارق" الذى ترك مجال عمله كخريج بكلية التجارة، ليلتحق بمهنة "الصاغة" وصناعة المشغولات الذهبية والفضية، ثم إلى صناعة "الكليم المصرى"، يقول طارق: "قبل ثورة يناير كنت أعمل فى مهنة "الصاغة" وأملك ورشة لصناعة الذهب والفضة، وبعد الثورة تبدل الحال، لذلك قررت تغيير نشاط عملى، وبدأت تعلم حرفة صناعة الكليم اليدوى، وبالفعل فى غضون عدة أشهر أصبحت قادر على صناعة الكليم وغيره من المفروشات اليدوية".
وأوضح "طارق" أن الحرف اليدوية من أهم العوامل التى تغير الوضع الاقتصادى لأى دولة، لذا فلابد من الاهتمام بها لأنها ركيزة هامة فى الحياة الاقتصادية، فالمشروعات الصغيرة وحدها فقط قادرة على تغيير المجتمع إلى مجتمع منتج وليس مستهلكا.
وعن طموحه فى صناعة الكليم العربى، قال: "السجاد طغى على صناعة الكليم بنحو كبير، لكن السائحين يحرصون على اقتنائه باستمرار، وطموحى هو عرض منتجاتى من الكليم العربى بالدول الخارجية، لذا أتمنى أن تستجيب وزارة التضامن الاجتماعى وتتوسع فى إقامة معارض للأسر المنتجة خارجية للترويج بمنتجاتنا أمام كل دول العالم".
8
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة