لكل بلد ثقافة، ولكل إقليم من أقاليم العالم الممتد طباع وعادات مختلفة، وفى الحقيقة فقد كنت أنظر إلى المهرجانات التى تقيمها أوروبا كثيرا بعين الحسد، فما أجمل تلك المواكب السيارة التى تطوف فى الشوارع لتشيع البهجة والغناء فى كل الأنحاء، وما أجمل تلك الأقنعة التى يرتديها الناس فى تلك الاحتفالات، لكن هذا الحسد لم يدم كثيرا، لاكتشافى أمرين، الأول أنه من الممكن أن نصنع أشكالا مشابهة من تلك الأشكال الاحتفالية بسهولة ويسر، والثانى أن ثقافتنا المصرية بالفعل تحتوى على أشكال مشابهة لتلك الأشكال من البهجة والفن.
نعم، احتفت ثقافتنا بمثل هذه الأشكال من الفرح الجماعى، والدليل على هذا ما نمارسه حتى الآن فى الموالد الشعبية التى تعرف ما يسمى بـ«زفة المولد» والتى يمشى فيها عشاق «الولى» من مكان معلوم وحتى مدفنه، وهم فى حالة من الغناء والإنشاد والمدح، كما احتوى تاريخنا القديم على احتفالات مشابهة بليلة رؤية هلال رمضان، ورؤية هلال العيد، واحتفل المصريون كثيرا بعيد جلوس الملك على العرش، وزفة «المحمل» الذى كانت ترسله مصر إلى بلاد الحجاز، ومازالت مدن القناة حتى الآن تحتفل بالربيع على طريقتها الخاصة بحرق «دمية اللمبى» ودمية كل عدو من أعداء مصر.
ما سبق يعنى أن ثقافتنا أفرزت نفس الأشكال المبهجة من الاحتفال الجماعى، الذى لا أبالغ إذا قلت إنه من الأشياء التى تمنح للأيام لونا وشكلا وطعما، ولهذا أقترح أن تعيد وزارة الثقافة إحياء هذه الأشكال من الاحتفالات الجماعية فى الشوارع المصرية، ومن الممكن أن نطور هذه الاحتفالات بشكل يسمح بالاحتفال بالأعياد الوطنية المحتلفة وأعياد الربيع «شم النسيم» وذكرى الثورات المجيدة التى مرت بها مصر، كما أنه من الممكن أن تصبح هذه المهرجانات من أهم أدوات الاحتفال بالشخصيات الفارقة فى تاريخ مصر، فمن الممكن مثلا الاحتفال بافتتاح متحف نجيب محفوظ بعمل مسيرة لموكب «الأستاذ» فى شارع الأزهر، على أن يرتدى بعض الأشخاص ملابس شخصيات روايات محفوظ فهذا يرتدى ملابس «السى سيد» وهذا يرتدى ملابس «فهمى» وهذا يرتدى ملابس كمال، وهذا يرتدى ملابس «ياسين» وهذه ترتدى ملابس «أمينة» وهذه ترتدى ملابس «جليلة» كل هذا على أنغام الأغنيات التى أذيعت فى تلك الأفلام، وبهذا نحقق معنى من معانى «النزول إلى الشارع» بالثقافة والبهجة والفرح.