لا يشكك أحد فى أن نهضتنا الموسيقية فى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين قادها «شيوخ» استوعبوا حديث رسول الله «إن الله جميل يحب الجمال» فأرادوا أن يتعبدوا بما يحبه الله، فجملوا وتجملوا وأبدعوا وأسهموا فى صنع نهضة موسيقية عصية على التكرار، ومن محاسن الصدف أن تلك النهضة واكبت عصرا علميا استطاع أن يقتنص الكثير من تسجيلاتهم، كما استطاع أن يسجل ملاحظاتهم وإسهاماتهم وموروثاتهم فى العديد من المنشورات والكتابات والمؤتمرات، فحافظت الموسيقى الشرقية على أسسها وقواعدها برغم ما تعرضت إليه من تآكل، ويظهر إسهام «المشايخ» فى حفظ تلك الموسيقى فى أننا حينما نذكر رواد الموسيقى الشرقية فنذكر شيوخا مثل عبدالرحيم المسلوب محمد عثمان وإسماعيل سكر وأبو العلا محمد ومحمد الشلشمونى ودوريش الحريرى وسلامة حجازى، حتى نصل إلى سيد درويش وزكريا أحمد ومحمد القصبجى ومحمد عبدالوهاب الذين تصدروا مشهد تطوير الموسيقى العربية وتحديثها.
من هنا علينا أن ندرك أن ارتباط الموسيقى الشرقية بالدين الإسلامى أمر حتمى، ولا أبالغ إذا قلت إن نفحة الروحانية الواضحة فى موسيقانا الأصيلة تنبع فى الأساس من هذا الارتباط الدفين، ولهذا علينا أن نسهم بشكل واع فى إعادة توثيق هذا الارتباط وتعميقه، ولهذا أقترح أن تطرح وزارة الثقافة مبادرة بعنوان «المسجد بيت الروح» وفيها تعلن عن إقامة حلقات الذكر والإنشاد فى بيوت الله فى وقت معلوم من كل أسبوع، وهو أمر يتطلب فى الأساس إعداد العديد من الكوادر الصوتية التى تناسب هذه المحافل، وبهذا نسهم فى الرقى بأذواق الناس وتهذيب أرواحهم والترويح عن أنفسهم بشكل «حقيقى».
صحيح أن وزارة الأوقاف تهتم بإقامة «الشعائر» وتعين الآلاف فى وظيفة «مقيم شعائر» لكن هذا الوظيفة تقتصر على المساجد الكبيرة فحسب، كما أنه فى الكثير من الأحيان تقتصر مهام هذه الوظيفة على إقامة شعائر صلاة الجمعة فحسب، كما أن مقيمى الشعائر فى الكثير من الأحيان ينقصهم الكثير من التدريب والكثير من التطريب والكثير من التطوير، وهى مهمة أرى أن وزارة الثقافة بهيئاتها المتخصصة قادرة على إنجازها بشكل يعيد الروح إلى بيوت الروح.