ليس هناك فى مصر مشهد أكثر ارتباكًا من المشهد الإعلامى والفنى، وربما يأتى ارتباكه واضحًا للعيان والقاصى والدانى، لأنه مشهد كما يقال على عينك يا تاجر، واضح لا يحتاج لمراقب أو متخصص ليقول قوله فيه، فالإعلام والفن هدفهما المشاهد، وبالتالى فالمشاهد هو صاحب الحق فى تقييمهما، ودعنى أطرح عليك تساؤلاً: هل مر يوم عليك أو على أى مصرى لم يسمع فيه جملة ربما تبدو مبالغة، ولكنها تفسر رأى المشاهد بغض النظر عن توجهه، وأما الجملة فهى «الإعلام هو سبب كل بلاء فى هذا البلد»، وكما ذكرت فهى مبالغة لأن مشكلات مصر تعود لكثير من الأسباب وليس الإعلام هو سببها الوحيد.
ولكن الإعلام والفن هما الخبز اليومى للشعب لذا فما أسهل أن نحملهما كل خطايانا، ولست فى معرض الدفاع عن الإعلام أو الفن بوجه عام فهما بالفعل يحملان بعضًا من خطايانا، ولكن الأهم من أن نوجه لهما الاتهام أن نعرف ما الذى أوصلهما لهذه الحالة التى تستدعى هروب أغلب مشاهديهما منهما.
أغلب القائمين على الإعلام والفن هم نتاج تعليم مصر القاصر وشوارع مصر العشوائية، فماذا ننتظر منهم؟!
وللحق فإن جزءًا كبيرًا من المشكلات التى يعانيها القطاعان يرجع لأن الدولة نفسها «متلخبطة» من الاثنين الفن والإعلام.
كنت كغيرى أتصور أن تنظيم الإعلام من خلال المجلس الأعلى للإعلام، وإنشاء نقابة للإعلاميين طال انتظارها عقودا، كفيل بأن يجرى عملية تنظيم لحالة منفلتة، ولكن للأسف لم يحدث ما كنت أنا أو غيرى نتمناه، بل على العكس زاد الأمر تعقيدًا واشتباكًا، فالأجهزة تداخلت أعمالها، ولم يعد أحد يفهم من يعمل ماذا ولماذا!
هناك جهاز قديم فى الدولة يتبع وزارة الثقافة اسمه الرقابة على المصنفات الفنية، وهو المنوط بمنح التصاريح لأى عمل فنى وفق ضوابط، هذا الجهاز دخل عليه المجلس الأعلى للإعلام فى صميم تخصصه حين أنشأ لجنة الدراما التى قالوا إن مهمتها مراقبة الدراما ووضع قواعد للأعمال الدرامية، فوفق تصريحات أدلى بها صالح الصالحى، عضو المرصد الإعلامى لبعض وسائل الإعلام قال: «سنحاسب الأعمال الدرامية المخالفة للعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية لو خرجت عن المألوف».. يا نهار أسود كوبية ألا يدرى عضو المرصد الإعلامى الموقر أن الأعمال الفنية لو سارت على المألوف والمعتاد فهى لن تكون إبداعا بل ستكون تكرارا مملا، ثم إن عبارات مثل العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية عبارات مطاطة. ثم ها هو الأمين العام للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أحمد سليم يصرح بأن المرصد الإعلامى الذى شكله المجلس سيراقب الأعمال الرمضانية من خلال مجموعة من الموظفين الذين سيعرضون تقاريرهم على المتخصصين والخبراء، وفى حالة وجود مخالفات سيقوم الخبراء بتطبيق عقوبات على القائمين بهذه الأعمال.
أليس أجدى للمرصد الإعلامى أن يتابع البرامج التى تشترى الهواء فى صيغة إعلان ويظنها المشاهد أنها حقيقية كالبرامج الطبية وغيرها من برامج يدفع أصحابها ثمن ظهورهم ويصولون ويجولون فيها ويمنحون أنفسهم لقب إعلاميين!
ومن المجلس الأعلى بتصريحاته واهتمامه بما لا يجب أن يهتم به إلى نقابة الإعلاميين التى طال انتظارها والمشرف على تأسيسها حمدى الكنيسى الذى لم يأسسها حتى الآن، ويكتفى بتصريحات أيضًا هى من قبيل عناوين بلا فعل فهو يعلن بين الحين والآخر إيقاف برنامج أو مذيع ولا شىء يحدث لأن الواقع يقول إن هذا المذيع ليس عضوا فى النقابة التى لم تؤسس، وبالتالى غير مقيد بقراراتها، وأن الأستاذ الكنيسى ليس نقيبا، وبالتالى فكل طلقات الكنيسى فشنك.
هناك مثل شعبى يردده المصريون يقول «من كتر خُطابها بارت»، وقد كثر «خُطّاب» الإعلام والفن، حتى إننا نكاد نصل إلى سن اليأس وليس البوار وحسب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة