لو شاءت ظروفك أن تذهب إلى ميدان باب الشعرية، لأى سبب من الأسباب، سوف تجد تمثال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب قد عاد إلى مقره القديم على منصته فى قلب الميدان.. ولكن لن تتعرف عليه.
منذ عامين تحديداً، استيقظت طالبات إحدى المدارس الثانوية الصناعية فى منطقة باب الشعرية ليكتشفن أن لديهن درساً عملياً فى ذلك اليوم، وهو طلاء تمثال محمد عبد الوهاب، لكن من الواضح أن تقديرهن للألوان كان غريباً بعض الشىء فبعدما انتهين من عملهن وتراجعن خطوات للخلف ليتأملن ما فعلن تنبهن إلى أن مصر كلها تتطلع باستغراب إلى ما قمن به، فقد صار عبد الوهاب برأس ذهبى وبدلة بنية اللون غريبة ولم يعد يعرفه أحد.
ويومها لم يعترف حى باب الشعرية بالخطأ وخرج المسئولون يبررون قائلين، "كل اللى عملناه هو إننا لمعناه واديناله ألوان محترمة، وعملنا سور حديد ارتفاعه متر ونص عشان محدش ييجى جنب التمثال".
لكن مصر كلها جاءت جنب التمثال، وصار حديث الجميع على المواقع الإخبارية والسوشال ميديا، وصارت السخرية والاتهامات بالتشويه حديثاً يومياً لا ينقطع، وبعد ذلك بفترة اختفى التمثال وسرت شائعة سرقته من الميدان، لكن الحقيقة أن الحى كان هذه المرة بريئاً، فالتمثال لم يسرق بل تم نقله إلى قطاع الفنون التشكيلية لصعوبة ترميمه فى مكانه، وهناك تم العمل حتى عاد التمثال إلى أصله الذى صممه عليه الفنان طارق الكومى، ومثلما اختفى التمثال فجأة بالنسبة للمواطنين ظهر مرة أخرى فى مكانه.. ولكن.
نقول عاد تمثال محمد عبد الوهاب إلى مكانه الذى ينتمى إليه فى باب الشعرية، لكنه عاد مغلفاً بالمشمع، وجلس على منصته مكبلاً لا يوجد له متنفس، ملتفاً فى أستار ما بعد الترميم، فى انتظار شىء ما ليكشف عن وجهه بين الناس الذين أحبهم وأحبوه.
بالطبع فإن دور قطاع الفنون التشكيلية انتهى بعودة التمثال إلى مكانه، وصار الأمر كله الآن فى يد مسئولى حى باب الشعرية الذين يؤكدون "أن التمثال ينتظر التطوير الكامل للميدان ثم إقامة احتفالية يكشف فيها الستار عن كل شىء".
وأكثر الذى أخشاه أن يطول الأمر أكثر من اللازم وينسى الحى أو ينشغل عن تطوير الميدان ويظل تمثال عبد الوهاب مختفياً خلف أستاره حتى يختنق الفن ويموت، لذا نطالب المسئولين أن يهموا بالتطوير ويسارعوا بفك أسر تمثال موسيقار الأجيال.