لا يزال العالم الغربى، ورغم ما أحدثه من تقدم علمى وحضارى فى عدة مجالات مختلفة، لكنه حتى الآن لم يستطع التخلص، تماماً، من جرثومة غزو الآخر والسيطرة عليه وفرض ثقافته ولغته ومفهومه للحياة والاستمرار فيها، خاصة على دول العالم الثالث الفقيرة، وتسعى إلى ذلك بشتى الطرق والوسائل.
أقول ذلك بسبب تصريحات فرنسية للحكومة فى باريس، والتى أعلنت فيها أنها ستتخذ خطوات لتحسين مستوى اللغة الإنجليزية لدى طلابها لتعدهم لـ«غزو العالم»، انطلاقاً من كون اللغة الإنجليزية هى اللغة المهيمنة فى التعامل مع الشعوب، حسبما وصف رئيس الوزراء الفرنسى إدوار فيليب.
ما الذى أثار انتباهى فى هذا الأمر؟ طرحت على نفسى هذا السؤال، هل استخدام رئيس الوزراء لجملة «غزو العالم» كما نقلتها عنه المواقع الإخبارية، بالتأكيد فإن استخدام هذه الجملة يكشف طريقة تعامل هذه الدول مع الآخرين، حتى مع تأكدى أن رئيس الوزراء لا يقصد هنا حرفية الجملة لكنه يقصد الانتشار والاتساع فى العالم، لكنهم لا يزالون يتعاملون مع فكرة «الغزو» على أساس أنها ممكنة وقابلة للتحقيق حتى ولو بوسائل معينة، فهذه الخطة تقصد إلى تعليم الفرنسيين الإنجليزية وخروجهم بشكل فعلى إلى العالم وقدرتهم على التعامل والتأثير.
لكن ما أثارنى أكثر هو أن العالم الحديث لا يزال يحركه مبدأ ميكافللى «الغاية تبرر الوسيلة»، فالدولة الفرنسية المعروفة باعتزازها بهويتها وربطها الدائم بين لغتها الفرنسية ووجودها فى العالم، وسعيها الدائم لانتشار الفرانكفونية ودعمها للترجمة من الفرنسية وإليها، ها هى تعدل طريقة تفكيرها وتلجأ إلى تبنى لغة «أعدائها الإنجليز»، وأنا هنا لا أبالغ فى شىء وذلك من أجل «المصلحة العامة».
بالطبع لا أقصد أن نتبنى لغة أعدائنا ولا حتى أن نصادقهم، لكن ما أقصده وما يهمنى هو فكرة التطوير الدائم للنفس والوطن، الفرنسيون فعلوا ذلك لأن دراسة أثبتت أنهم ثانى أسوأ شعب أوروبى يتحدث الإنجليزية بعد الإيطاليين، ولأنهم يعرفون أهمية اللغة الإنجليزية اتخذوا عدداً من الأساليب التعليمية لتساعدهم على إتقانها، لكننا فى عالمنا العربى عادة لا نهتم بمثل هذه الأبحاث والدراسات، حتى لو أكدت أن لغتنا الأصلية نفسها «العربية» تتراجع ويقل انتشارها أو حتى تنقرض فى بعض الجهات وتطغى عليها اللغات الأجنبية واللهجات المحلية.
التنبه الدائم للعالم المتغير، هو ما قصدت الوقوف أمامه والإشارة إليه، أما الاستسلام والتعامل مع أن التغيرات الخارجية «قدر» فذلك ما سيجعلنا واقعين تحت الغزو الفرنسى قريباً.