فى شارع صغير متفرع من شارع إسطنبول الذى يقطع أهم شارعين فى مدينة الإسكندرية النبى دانيال وصفية زغلول، يقف منزل الشاعر المصرى اليونانى الأصل قسطنطين كفافيس شامخا كجوهرة أثرية فى عروس البحر الأبيض المتوسط، متحف مهجور لا يعرف الكثيرون حكايته التى ترصد رحلة أحد أهم الشعراء المصريين اليونانيين.
عبرنا البوابة المتحف المفتوحة للجميع، صعدنا ثلاثة أدوار فى المتحف الملىء بتاريخ الإسكندرية والشاعر معا قبل أن نقابل الشخص الوحيد الذى فوجئ أخيرا بوجود من يؤنس وحدته، محمد السيد محمد، أمين المتحف منذ عام 1992 الذى يملك من الحرية أن يتواجد فى المتحف بـ"فانلة داخلية"، ببساطة قابلنا وبدأ يروى قصة الشاعر اليونانى، قائلا: "ولُد كفافيس فى شارع شريف وسط الإسكندرية فى 29 إبريل 1863 لأبوين يونانيين من أصول تركية، هاجروا إلى الإسكندرية عام 1850 وأنجبوا 8 أولاد وبنت كان كفافيس أصغرهم، والده كان ثريا جدا وكان يملك مصنعا لحلج الأقطان فى الإسكندرية وسلسلة محلات فروع لبيع المحاصيل الزراعية وكان صديقا مقربا للخديوى إسماعيل الذى دعاه لحفل افتتاح قناة السويس عام 1869.
ويستكمل أمين المتحف، عندما وصل كفافيس إلى 7 أعوام توفى والده، وفى سن التاسعة اضطرت والدته للهجرة به وإخوته وهو فى سن التاسعة إلى إنجلترا، وعادوا إلى الإسكندرية بعد مرور سبع سنوات، واستقروا فى محطة الرمل"، والأمور لم تستقم، فبعد 3 سنوات احتل الإنجليز مصر 1882، فاضطرت والدته للسفر إلى مدينة ليفربول فى إنجلترا وعاشوا هناك 7 سنوات كاملة ثم عادوا مرة أخرى إلى الإسكندرية، وبعد مرور 3 سنوات وتحديدا عام 1882 حصل الاحتلال الإنجليزى لمصر ليقرروا الرحيل مرة أخرى إلى تركيا حيث موطن والدها "فوتى ينس" الثرى صاحب ورش صناعة الألماس وظلوا فى تركيا 3 سنوات، ثم عادوا إلى الإسكندرية من جديد بعد استقرار وهدوء الأوضاع، لكنهم وجدوا شقتهم تهدمت عن طريق الأسطول الإنجليزى فى نفس عام الاحتلال ليذهبوا بعدها لشارع بوليفار "سعد زغلول حاليا".
وأوضح السيد، بعد العودة كانت حصيلة هذه الرحلات هى إجادة قسطنطين لخمس لغات إلى جانب اللغة العربية، وبعد خمس سنوات من عودته عمل كمترجم حر فى وزارة تفتيش الرى، وكان غير ملتزما بمواعيد أو الذهاب لمقر العمل، وهو ما سمح له بالعمل كسمسار فى بورصة المنشية للقطن، حيث كانت الإسكندرية فى أوج عصرها الذهبى وكانت مركزا عالميا لتجارة القطن، وبعد انتهاء من عمله كان يعود للمنزل ويبدأ فى ممارسة هوايته بكتابة الشعر وكان يقول "أنا موهوب وممكن أكتب أى شيء"، موضحا أنه كان يكتب ما يقرب من 70 قصيدة شعرية فى السنة، لكن فى نهاية حياته اختار 154 قصيدة لنشرها، وفى سن الـ45 استقر فى هذا المنزل حتى وفاته بعد 25 عاما.
وأوضح أمين المتحف: "اكتشف مرضه بسرطان فى الحنجرة فتوجه إلى اليونان لإجراء جراحة، التى فقد صوته بعدها نتيجة انقطاع أحباله الصوتية لكن ذلك أصيب بصدمة عصبية لإنه لم يتمكن من التواصل مع من حوله، فدخل مستشفى "كونسيكا اليونانى" والتى كانت مواجهة لبيته لكنها أصبحت جراجا للسيارات حاليا، ظل بها حوالى شهرين حتى توفى 29 إبريل 1933 عن عمر 70 عاما ثم دفن فى اليوم التالى بمقابر الجالية اليونانية فى الإسكندرية.
وكشف أمين المتحف، أنه فى يوليو 1923 كتب وصيته التى أوصى فيها بأن تعود متعلقاته لصديقه ومدير أعماله اليونانى "سوجوبلو"، إلا أن سوجوبلو نقل كل الأثاث والمتعلقات إلى اليونان، لم يترك منها إلا القليل، بينما نقلت الجمعية اليونانية ما تبقى من أثاث إلى مقرها وأقامت متحفا خاصا بكفافيس، وتحول منزله إلى "بنسيون" حتى 1991 وهو العام الذى أسس فيه جمعية محبى كفافيس، التى أسسها المستشار الثقافى اليونانى "مسكوف" وكان أحد أعضاء هذه الجمعية رجلا ثريا يدعى "ستراتى جاكس" الذى تبرع بمبلغ من المال فى سبيل تخليد ذكرى كفافيس.
ظل مسكوف يبحث عن منزل كفافيس حتى وجده، فتفاوض مع صاحب "البنسيون" وأقنعه بترك المنزل، ثم قام بعمل صيانة للمنزل ونقل مقتنيات كفافيس إليه، وافتتح فى 12 أكتوبر 1992، كمعرض للكتب وبعض المقتنيات الأخرى.
وأوضح السيد، أن مقتنيات المتحف الحالية تتضمن تمثال رخامى نصفى له، بالإضافة إلى مجموعة من كتبه وأول طبعة من ديوانه الشعرى وبه بعض الكتابات بخط يده، وأيضا مجموعة من الكتب العالمية التى ألفت عنه بأكثر من 70 لغة من لغات العالم المختلفة.
ومن ضمن المقتنيات أيضا مجموعة من الصور الشخصية المتنوعة لكفافيس ولأسرته، وأشياء مهداة من الكنيسة اليونانية إلى المتحف وبعض أثاثه ومتعلقاته الشخصية ومرآة له، ومجموعة من الأيقونات والأشياء الأثرية وطوابع بريدية صدرت عنه وشهادات التقدير التى حصل عليها كما تضم مجموعة من أشرطة الفيديو للأفلام التى أنتجت عنه.
"اليوم السابع" استطلع آراء بعض أهالى وسكان المحافظة الساحلية، لمعرفة مدى معرفتهم بمنزل ومتحف كفافيس، حيث قالت هند توفيق: "لم أعرف من هو كفافيس ولا حتى منزله بالرغم من نشأتى وتربيتى فى الإسكندرية"، وقال أحمد صلاح: "بقالى 27 سنة فى إسكندرية وأول مرة أسمع عنه وعن الشارع".
حيث قالت إيمان كامل: "أول مره أسمع عنه، وأول مرة أعرف أن فى شوارع فى إسكندرية اسمهم شرم الشيخ واسطنبول، برغم من إقامتى فى إسكندرية إلا إنه يوجد أماكن كثيرة لم نعرفها مطلقا، وبهذه المناسبة أطالب المسئولين عن المحافظة أن يطلقوا الحملات الدعائية لهذه الأماكن المجهولة لنعرف تاريخ بلدنا العتيق".
وعلى الجانب الآخر كان هناك قلة قليلة من المواطنين لم يتخطوا أصابع اليد الواحدة، الذين أبدوا معرفتهم بالمكان، حيث قال محمد: "عرفت المكان أول مرة منذ حوالى 7 أعوام وكانت صدفة عن طريق سائح يونانى كان يسأل عن المنزل وفى يده ورقه مدون بها العنوان فقمت بتوصيله للمتحف وكانت هذه الزيارة الأولى وأعجبنى جدا تصميم المنزل وما يضمه من مقتنيات، ثم بعدها توالت زياراتى له بعد معرفة تاريخه وأعمال الشعرية والأدبية وأيضا معرفتى بأنه كان يعشق ويتغنى بحب الإسكندرية"، فيما قال محمد نبيل: "أعرف المكان وزرته طبعا وحافظ كل ركن فيه، وقعدت على كل مكان قعد عليه شاعر الإسكندرية ومددت على السرير كمان".
متحف كفافيس (1)
متحف كفافيس (2)
متحف كفافيس (3)
متحف كفافيس (4)
متحف كفافيس (5)
متحف كفافيس (6)
متحف كفافيس (7)
متحف كفافيس (8)
متحف كفافيس (9)
متحف كفافيس (10)
متحف كفافيس (11)
متحف كفافيس (12)
متحف كفافيس (13)
متحف كفافيس (14)
متحف كفافيس (15)
متحف كفافيس (16)
متحف كفافيس (17)
متحف كفافيس (18)
متحف كفافيس (19)
متحف كفافيس (20)
متحف كفافيس (21)
متحف كفافيس (22)
متحف كفافيس (23)
متحف كفافيس (24)
متحف كفافيس (25)
متحف كفافيس (26)
متحف كفافيس (27)
متحف كفافيس (28)
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة