فند وزير الخارجية سامح شكرى إدعاءات وأكاذيب ما نشرته هيئة الإذاعة البريطانية بى بى سى الأسبوع الماضى فى تقرير عن مصر، حيث ظهرت لاحقاً الفتاة التى ادعى التقرير أنها تعرضت للاختفاء القسرى والتعذيب، نافية صحة ما تناوله التقرير بشأنها، مؤكدا أن لمصر ميراثا ثريا فى مجال حرية الصحافة، وتزخر بالمنابر الإعلامية المستقلة وتستضيف عدداً كبيراً من وسائل الإعلام الأجنبية من مختلف دول العالم، معربا عن أسفه ما نلمسه أحياناً من أداء إعلامى يفتقر المهنية ويستند لمصادر يثبت أنها مفبركة ومكذوبة تحقيقاً لأغراض سياسية أو بحثاً عن السبق الصحفى.
وقال وزير الخارجية أن مصر حريصة كل عام على إطلاع مجلس حقوق الإنسان على ما تحققه على صعيد تعزيز الديمقراطية، وسيادة القانون، والحكم الرشيد، وتوفير البنية الأساسية لحقوق الإنسان برغم كل واجهته وتُواجهه من تحديات دقيقة، حيث استكملت مصر في زمن قياسي عملية البناء المؤسسي استنادا لدستور عصرى يتواكب مع المعايير الدولية فى صون الحقوق والحريات الأساسية.
وأكد شكرى فى كلمة له أمام الشق رفيع المُستوى للدورة السابعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان، اليوم الثلاثاء، أن مصر مقبلة بعد أقل من شهر على تنظيم الانتخابات الرئاسية، والتى تُعد الاستحقاق الانتخابى الرابع الذى تشهده مصر بعد ثورة 30 يونيو، وجميعها تمت وستتم فى إطار من النزاهة والشفافية بموجب ضمانات دستورية مُحكمة، وتحت إشراف مُفوضية انتخابية مُستقلة، وبمتابعة واسعة من المجتمع المدنى والإعلام والمنظمات الدولية والإقليمية.
وأكد شكرى على حجم الاهتمام الذى توليه مصر لهذا المجلس الذى كان لها دور كبير فى تأسيسه - بل وتولت منصب نائب الرئيس به مرتين-، وذلك انطلاقاً من إيمان راسخ بالقيم السامية والعالمية لحقوق الإنسان.
وشدد وزير الخارجية على أن حقوق الإنسان تحظى بأولوية مُتقدمة على أجندة الحكومة المصرية، خاصة بعد ثورتى 2011 و2013. ولا أدل على ذلك من اختيار أعوام 2016 و2017 و2018 كأعوام لحقوق الشباب والمرأة وذوى الإعاقة على التوالى، بما يعبر عن حرص الدولة المصرية على إتباع منهج يُدمج حقوق الإنسان فى السياسات العامة المُختلفة، ويُطبق فلسفة أجندة 2030 بألا يتخلف أحد عن الركب.
وأكد وزير الخارجية أن مصر ستتقدم خلال الدورة الحالية للمجلس، ولأول مرة، بالتقرير الطوعى لنصف المدة حول تنفيذ توصيات آلية المراجعة الدورية الشاملة لتجدد التأكيد على حرصها على الوفاء بالتزاماتها الدولية ومُتابعة تفاعلها البناء مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان. وهو التقرير الذى سيقوم وزير شئون مجلس النواب بعرضه تفصيلياً الأسبوع المُقبل خلال زيارته لجنيف.
واستعرض وزير الخارجية بعض العلامات المضيئة خلال العام الماضى، حيث استمرت مصر فى قطع خطوات هامة فى مسيرتها لتعزيز الحقوق والحريات، فبدأت الهيئة الوطنية للانتخابات فى الاضطلاع بولايتها، وتم تعديل القانون المُنظم للحق فى التجمع السلمى ليصبح أكثر تيسيراً، وأقر مجلس النواب تعديل قانون المجلس القومى لحقوق الإنسان شاملاً المزيد من الضمانات لاستقلالية المجلس وفعالية عمله، واستمر العمل الجاد من أجل تضمين ثقافة حقوق الإنسان فى المناهج التعليمية وأنشطة المؤسسات الدينية ومنهاج عمل أجهزة إنفاذ القانون.
ولفت وزير الخارجية نظر مجلس حقوق الإنسان للتقدم الكبير الذى شهدته مصر على صعيد الحق فى حرية الدين والمُعتقد، سواء فيما يخص تيسير مُمارسة الحق فى مُمارسة الشعائر الدينية، أو تكريس قيم المساواة والتسامح ونبذ الكراهية، موضحا أن التنوع والتعددية من سمات نسيج المجتمع المصرى ثقافياً ودينياً، ويُمثلان مصدراً للقوة والثراء وحائط صد متين ضد دعاة الفتنة والتطرف والإرهاب الذين يسعون للنيل من هذه الوشائج الوطنية المُتماسكة والوطيدة.
وأكد شكرى أن مصر مستمرة فى مسيرة النجاح على صعيد حقوق المرأة، فشهد عام المرأة المصرية انجازات ملموسة تستهدف تعزيز تمكين المرأة فى كافة المجالات وحمايتها من كافة أشكال العنف، مشيرا لفتح الدولة المصرية أفاقاً جديدة فيما يخص تمكين الشباب والتواصل معهم وتطوير ذلك التفاعل ليشمل بُعداً دولياً تجسد فى مُنتدى شباب العالم الذى استضافته مصر فى نوفمبر الماضى بمدينة شرم الشيخ.
وأوضح أن مصر تفخر بما تتخذه من خطوات إيجابية على صعيد توسيع مظلة الحماية الاجتماعية بما فى ذلك اتصالا بالتوجه نحو تأسيس نظام تأمين صحى شامل، وأن مصر ستستمر فى جهودها لإدراك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمُواطنيها برغم الإصلاحات الاقتصادية الجريئة المُطبقة فى المرحلة الحالية.
وأشار شكرى إلى حرص الدبلوماسية المصرية على التعبير عن هذه الاهتمامات داخل مجلس حقوق الإنسان، حيث تطرح أسوة بمارس من كل عام مبادرتها حول الحق فى العمل وما يُمثله من تحد رئيسى للشباب حول العالم، كما أنها راعى رئيسى لقرار الشباب وحقوق الإنسان. وعلى ضوء الرئاسة المصرية الحالية لمجموعة السبعة وسبعين والصين، والأولوية المُتقدمة للتنفيذ الكامل والفعال لأجندة 2030 للتنمية المُستدامة، تعتزم مصر تطوير جهودها داخل المجلس في دعم التناول المُنصف للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإيلاء الاهتمام والموارد اللازمة لذلك.
وأوضح وزير الخارجية أنه انطلاقاً من هذه الذهنية المُنفتحة والالتزام بالعمل البناء والمُستمر فى مجال الحقوق والحريات واتساقاً مع التعهدات الطوعية التى قطعتها عند ترشحها لعضوية المجلس، تتفاعل مصر إيجابياً مع المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، فلديها أحد أعلى مُعدلات التجاوب مع آليات الشكاوى والمُراسلات التابعة للمجلس، كما وجهت الدعوة لستة من حملة الولايات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، ويجري العمل حالياً على تحديد مواعيد إتمام زيارتهم إلى مصر.
وأكد شكرى أنه يسعد مصر التعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في إطار برنامج شامل لبناء القدرات والتعاون الفني فضلاً عن التدريب الجاري تنفيذه للقائمين على إعداد التقارير الوطنية الدورية المُستحقة للجان التعاقدية.
وأوضح أن ما تحقق وسيتحقق من علامات مضيئة على طريق تأسيس دولة ديمقراطية حديثة ومُستدامة فى مصر لا ينبغى أن يُنسينا ما تواجهه مصر بشكل خاص، ومحيطها الجغرافي بشكل عام، من تحديات غير مسبوقة فى خطورتها. فيد الإرهاب الآثمة تستمر فى حصد الأرواح وتهديد الأنفس، فلم ترحم المُصلين فى مساجدهم وكنائسهم، وتواصل سعيها العابث لإنهاك الاقتصاد والمساس بوحدة وتماسك الأمة المصرية.
وأشار شكرى إلى دور قوات إنفاذ القانون المصرية الباسلة فى مواصلة حملتها الشاملة لاقتلاع الإرهاب من شمال شرق سيناء، وذلك فى إطار إستراتيجية شاملة تلتزم بالاحترام الكامل لحقوق الإنسان في سعيها لدحر الإرهاب أمنياً وفكرياً ومُحاصرة مصادر تمويله وتسليحه فى الداخل والخارج.
وعلى ضوء ما عانته مصر من هذه الشرور، وتزامناً مع الأهوال الجسيمة التي ارتكبتها هذه الجماعات الشيطانية، أكد شكرى أن مصر ستواصل للعام الرابع على التوالى الترويج لمبادرتها حول أثر الإرهاب على التمتع بحقوق الإنسان الذى يتناول تداعيات الإرهاب على حق الإنسان فى الحياة والحرية والأمان، وضرورة الالتزام بالتعاون الدولى الشامل والأمين فى مكافحة هذا الوباء الخطير، موضحا أن هذه المُبادرة التى اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة فى دورتها الأخيرة فى نوفمبر الماضي، وتتكامل مع الدور الرائد الذى تلعبه مصر فى قضايا مكافحة الإرهاب الدولى لاسيما خلال رئاستها للجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن عامى 2016 و2017. وهو الأمر الذى يعكس دعوة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى لاعتبار الحماية من الإرهاب ومقاومته بمثابة حق من حقوق الإنسان.
وأضاف وزير الخارجية : يمر العالمان العربي والإسلامي، وقارتنا الأفريقية الأم بأخطار تحرم جانباً كبيراً من مُواطنيهم من العيش فى أمن ورخاء. وفى قلب هذه التحديات تقف قوى الهدم والتدمير التى تسعى لتقويض دعائم الدول الوطنية واستبدالها بمستنقع من التطرف والطائفية والفوضى. ولقد كان لهذه المساعي المشئومة وما اقترن بها من تدخلات خارجية ضيقة الأُفق دور لا ريب فيه فيما آلت إليه الأوضاع في سوريا وليبيا واليمن وجنوب السودان والصومال من تفكك لبنية الدولة الوطنية واضطرابات واسعة النطاق. كما يتواصل قلقنا العميق إزاء ما يتعرض له مُسلمو الروهينجا في ميانمار من معاناة مُتواصلة."
وأوضح أنه لا يمكن تناول التحديات الإقليمية دون الالتفات للأوضاع فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، حيث يزداد الموقف تعقيداً بما يترك الشعب الفلسطينى ضحية المزيد من الانتهاكات ويحول دون إدراكه لحقه المشروع فى تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مُستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
وأضاف وزير الخارجية، أنه اتصالا بالآثار الإنسانية القاسية لهذه الأزمات والصراعات ، فليس بخاف عليكم اهتمام مصر الخاص بالجهود الدولية لمكافحة العنصرية وكراهية الأجانب والاسلاموفوبيا والتحريض على التمييز والعنف بما فى ذلك ضد اللاجئين والمهاجرين، واستطرد "يحدونى الأمل فى أن تفاوض المجتمع الدولى حالياً على العهدين الدوليين للهجرة واللاجئين قد يتيح المزيد من الحماية لهذه الفئات التى فى الكثير من الأحيان دفعتها ظروف قهرية لمغادرة أوطانها وعرضتها لويلات مُخيفة قد تنتهي بها في سجون مفتوحة تُسمى كذباً "مراكز استقبال".
وفى ظل هذه اللحظات الدقيقة التى تعيشها الأسرة الدولية وما تتعرض له حقوق الإنسان من مصادر جديدة ومتنوعة من التهديدات، أكد وزير الخارجية ان مصر ترنو إلى مواصلة مجلس حقوق الإنسان لأداء رسالته فى إطار من الحوار البناء، والتعاون الدولي، وعدم التسييس، وبما يُسهم فى بناء الثقة المُتبادلة والتضامن الدولى اللذين لا غنى عنهما من أجل التصدى لهذه الأخطار الدولية المشتركة. فهذا المجلس حقق الكثير على مدار اثنى عشر عاماً وستدافع مصر جاهدة عن المُقومات والثوابت التى مكنته من ذلك الدور.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة