أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى، وسياسات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وقد شكلت الدراسة التى أعدها الدكتور شاهر إسماعيل الشاهر أستاذ بجامعة دمشق والفرات رؤية حقيقة لوهم الديمقراطية الأمريكية، حيث أشارت الدراسة إلى أن أحداث 11 سبتمبر شكلت منعطفاً مهماً فى السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم العربى، فقد كشفت هذه الأحداث وفقاً لرؤية الإدارة الأمريكية أن غياب سياسات إصلاحية وتغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية انفتاحية فى المجتمعات العربية منذ ما بعد حقبة الاستقلال، قد أفضت إلى إصابة المجتمعات العربية والأنظمة السائدة أيضاً بالجمود والاحتقان السياسى، الأمر الذى أدى إلى تشجيع النزعات الانغلاقية وخاصة المتشددة دينياً، وهى النزعات التى تغذى التيارات والتنظيمات المتشددة وقادت إلى هجمات 11 سبتمبر ضد الولايات المتحدة.
وهكذا قادت الولايات المتحدة أجندة إعادة تأهيل العالم العربى ضمن ما سمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير عبر الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى، من خلال سياسة تدخلية تقوم على التركيز على الأوضاع الداخلية للدول العربية، وبدأ التركيز بوجه خاص على الربط بين التطرف والعنف وبين نقص الحريات السياسية ومستويات التعليم وحقوق الإنسان وتحرير المرأة.
أولا- الإدارات الأمريكية السابقة وقضيتا الديمقراطية وحقوق الإنسان:
فى ظل التغيرات التى حدثت فى النظام الدولى، وما تبعها من تطورات منذ بدايات ثمانينيات القرن العشرين، مثل انهيار الكتلة الشيوعية، وتفكك الاتحاد السوفيتى، اهتمت السياسة الخارجية الأمريكية ببعض المبادئ الأساسية: دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، كسياسة تعكس المبادئ والمصالح الأمريكية، فتشجيع الديمقراطية يوسع من نفوذ ومصداقية الولايات المتحدة عالمياً، على اعتبار أن مصالحها سوف تكون أكثر أمناً فى عالم يحترم الحقوق السياسية واقتصاديات السوق الحر.
لقد اكتسبت قضيتى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحسب الدراسة،اهتماماً على مستوى الرؤساء الأمريكيين وبرامجهم الانتخابية، وعلى مستوى المسؤولين المباشرين عن السياسة الخارجية الأمريكية. فقد أعلن الرئيس ويلسن «1913-1921» أن الولايات المتحدة سوف تدخل الحرب العالمية الأولى لكى تجعل العالم أكثر أماناً للديمقراطية، ثم جاءت مبادئه الأربعة عشر لتؤكد ذلك، ولكن جاء رفض مجلس الشيوخ للتصديق على إنشاء عصبة الأمم ليدخل الولايات المتحدة فى مرحلة من العزلة الدولية.
وفى عام 1974 بدأت الولايات المتحدة نشاطها فى مجال نشر الديمقراطية، وفى عام 1977 تبلورت الدعوة الخاصة بربط قانون المؤسسات المالية والدولية بالديمقراطية وحقوق الإنسان، إذ يتم ربط التفاعل الإيجابى بين هذه المؤسسات المالية الدولية والدول الأجنبية بمقدار ما تتبنى تلك الدول السلوك الديمقراطى «وفق التصور الأمريكى».
وكان أول تقرير سنوى يصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص حقوق الإنسان كان فى العام 1977، وفى تلك الفترة تزايدت المناقشات داخل الكونجرس الأمريكى فيما يخص تطبيق العقوبات الاقتصادية على الدول المخالفة للديمقراطية وحقوق الإنسان.
أما إدارة الرئيس كارتر «1977-1981» فقد تمسك بحقوق الإنسان والديمقراطية كمحدد للسياسة الخارجية الأمريكية، وذلك لعدة أسباب، منها أن نشر الحرية على مستوى العالم يتماشى مع القيم والمصالح الأمريكية، كما أن التوسع فى نشر قيم حقوق الإنسان والديمقراطية فى العالم سيؤدى إلى تعزيز الأمن الأمريكى.
ثم أنشأت إدارة الرئيس ريغان «1981-1989»، فى إطار مواجهة العالم الحر بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للكتلة الشيوعية، المؤسسة الوطنية للديمقراطية التى تتلقى دعماً فدرالياً من الكونغرس لدعم الديمقراطية، وتم بعد ذلك إنشاء المعهد الديمقراطى الوطنى والمعهد الجمهورى الدولى لتقديم المساعدات الفنية والمادية لبرامج الديمقراطية فى الخارج، كما تم فى عام 1983 تم إنشاء الصندوق القومى الديمقراطى الذى يسعى لدعم التوجهات الديمقراطية فى الدول الشيوعية وغير الشيوعية.
وفى نفس السياق اعتبر الرئيس كلينتون «1994-2001» أن توسيع الديمقراطية فى العالم يمكن أن يحل محل الاحتواء، كاستراتيجية بديلة وحاكمة للسياسة الخارجية الأمريكية فى مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وفى 1993 أعلن أنتونى ليك مستشار الرئيس كلينتون لشؤون الأمن القومى فى خطاب له فى جامعة هوبكنز الأمريكية: «أن توسيع الديمقراطية هدف أساسى من أهداف السياسة الخارجية الأمريكية».
وتحدث الرئيس كلينتون عما أسماه «التوسع الديمقراطى»، وترتب على هذا المبدأ ظهور ثلاث وثائق تحت اسم «استراتيجية الأمن القومى للتدخل والتوسع»، وذلك فى الأعوام 1994-1995-1996 وترتكز هذه الاستراتيجية على التدخل بقوة فى جميع أنحاء العالم لفتح أسواق خارجية، وذلك يعنى «أن الاستراتيجية هى التوسع الديمقراطى كآلية لكسب المزيد من الأسواق»، ويعد الرئيس كلينتون أول من استخدم تعبير «ديمقراطيات السوق»، ودل استطلاع للرأى قام به مجلس شيكاغو للعلاقات الدولية: «أن وجود الأنظمة غير الديمقراطية ليست قضية ضمن المصالح الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة».
ومن جهة أخرى ذكر الرئيس الأمريكى الأسبق كلينتون: «أن انتهاج العملية الديمقراطية سيسهم كقوة فاعلة فى استتباب الاستقرار والأمن الدولى، نظراً لأن الانفتاح والتعددية السياسية سيوجدان طرقاً بعيدة عن العنف فى تسوية النزاعات، وأن الديمقراطيات تقوم بمهمة أفضل فى حماية الأقليات العرقية والدينية، وأن التعاون بين الأنظمة المتماثلة فى القيم الإنسانية سيمكن من تطوير ظاهرة الشراكة بين الذين لهم مصالح مشتركة فى حماية البيئة الدولية والالتزام بالقانون الدولى». وقد وجهت إدارة كلينتون انتقاداتها إلى بعض الدول العربية مثل سورية وليبيا، وأعلنت أن علاقات الولايات المتحدة بدول المنطقة سوف تقوم على أساس موقف هذه الدول وممارساتها المتعلقة بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. ورأى الرئيس الاسبق بوش الابن «2001-2008» أن غياب الديمقراطية فى الشرق الأوسط يشكل تحدياً كبيراً للإدارة الأمريكية، خاصة بعد الحادى عشر من أيلول وربما انتشار الإرهاب بغياب الديمقراطية.. يتبع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة