إذا سـألك أحد ماذا تعنى جملة "رجال ونساء تباع وتشترى فى مزادات علنية"؟، الإجابة ستكون "عبودية"؟.. وإذا باغتك بسؤال آخر عنها وهو "ماذا تعرف عنها؟"، ستجد ذاكرتك تلقائيًا تسترجع مشاهد الأفلام التى تحدثت عن هذا الموضوع سواء فى الوطن العربى أو أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية لكن لن يخطر ببالك أن هذا الأمر المشين لم ينته بعد من العالم ولا يزال هناك عبيد بالمعنى الحرفى للكلمة!.
اعتقد كثيرون لوهلة أن العالم قد ودع نظام العبودية بعد إلغائها فى موريتانيا غرب القارة الإفريقية عام 1981 أى منذ 37 عامًا كآخر الدول المتبعة لهذا النظام، ورغم هذا فإن هذه البلدة السمراء لايزال يعيش 1% من سكانها كعبيد وفقا لمؤشر Global Slavery Index عام 2016 وبلاد أخرى غيرها مازالت يتواجد بها نسب عالية من العبودية.
نظام العبودية لم ينته عند عتبة موريتانيا !
ويُشار أيضا إلى أنه فى عام 2011 شهدت موريتانيا أول محاكمة فى قضية العبودية بعدما صدر حكم بالسجن لمدة عامين على متهم باستبعاد شابين، رغم أن القانون يفرض عقوبة السجن من 5 إلى 10 سنوات، بينما فى عام 2015 تمت مضاعفة مدة العقوبة مقابل جرائم الاستبعاد.
مؤخرًا، دعا الاتحاد الإفريقي موريتانيا لبذل مزيد من الهجود للقضاء على العبودية فى أعقاب صدور أحكام مخففة بحق أفراد أسرة متهمين باستعباد أشخاص، وفى نفس الإطار، دعت لجنة خبراء تابعة للاتحاد الإفريقي موريتانيا إلى أن "تأخذ بعين الاعتبار قضية العبودية، وتجعل القضاء عليها إحدى أولوياتها". وأكدت أن المحكوم عليهم في القضية يجب أن ينالوا عقابا يتوافق مع خطورة جرائمهم.
جريمة بيع المهاجرين فى ليبيا
وفيما يبدو أن القارة السمراء لم تتخلص من لعنة العبودية، فقد كشفت شبكة "سى إن إن" الأمريكية فى نوفمبر الماضى عن واقعة بيع مهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى فى أسواق عبودية فى ليبيا.
وأظهر الفيديو الذى بثته الشبكة الأمريكية مجموعة من المهاجرين الأفارقة يقفون فيما ينادى عليهم السمسار فى مزاد علنى من أجل بيعهم للعمل فى مزارع!. هذه الواقعة أثارت جدلا دوليًا فقد خرجت مظاهرات غاضبة فى عدة أنحاء بالعالم وعلى رأسها العاصمة الفرنسية باريس لتنديد بتلك المظاهر التى مازالت موجودة فى عالمنا الحديث، بينما على صعيد الاتحاد الإفريقى فقد سرت مطالب داخله بأهمية تواجد ملاحقات قضائية للمتطورين فى هذه التجارة الخسيسة التى تعود إلى حقبة أخرى- ذلك بحسب البيانات الصادرة عن تلك المنظمة القارية.
تحقيق "سى إن إن" كشف عن تفاصيل أسواق العبودية فى ليبيا بعدة نقاط وهى أن مهاجرين الأفارقة كانوا يحاولون الوصول إلى أوروبا إلا أن مهربين احتجزوهم وأجبروهم على العمل مقابل رواتب قليلة أو عدم تقاضى أى رواتب على الإطلاق، كما أن الفيديو أظهر شبابا من النيجر وبلاد أخرى فى منطقة جنوب الصحراء الكبرى يباعون بسعر 400 دولار أو 300 جنيه استرلينى فى أماكن لم يتم الكشف عنها فى الدولة العربية.. وأكد بعض من هؤلاء المهاجرين لمراسلة الشبكة الأمريكية أنهم تعرضوا للضرب والإيذاء البدنى من أجل إجبارهم على العمل مما ترك آثار على أجسادهم.
ووفقا لتقرير أوردته هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" عن الشأن ذاته، تقول أن منظمة منظمة الهجرة الدولية بليبيا في أبريل 2017 كانت قد جمعت أدلة عن العبودية فى ليبيا قبل نشر هذه الواقعة، موضحة أنه كانت هناك تصريحات سابقة لمدير المنظمة يتحدث فيها عن أن تحديد أسعار المهاجرين يخضع للمهارات التى يمتلكونها.
وكان ضمن تعليقات مدير منظمة الهجرة فى ليبيا أيضًا عن تجارة العبيد :"كما يبدو لا يمتلكون المال، وأسرهم لا يمكن أن تدفع الفدية المطلوبة، ولهذا يتم بيعهم لجني الحد الأدنى من الربح من هذا"، مضيفًا :"بالتأكيد يختلف السعر حسب المؤهلات، مثلا، إذا استطاع العامل القيام بالصباغة أو وضع البلاط أو القيام بعمل متخصص، فإن السعر سيكون مرتفعا".
مؤشرات العبودية الحديثة فى العالم
دعوة الاتحاد الإفريقى لموريتانيا وواقعة سوق العبيد فى ليبيا، تدفع للتساؤل هل يوجد دول فى قارات أخرى تعانى من الظاهرة ذاتها بمعنى بيع وشراء بنى آدميين أم أن هناك مظاهر أخرى أو الذى يمكن القول عليه العبودية الحديثة، ووفقا لتقرير آخر لشبكة "سى إن إن" فإن تقرير صدر على مؤسسة "ووك فرى" كشف عن أن موريتانيا لم تعد تتضمن أعلى نسبة من حالات العبودية فى العالم.
اللافت فى تقرير الشبكة الأمريكية أن مؤسسة ووك فرى أرسلت لها بيان تقول فيه :"العبودية ليست شيئاً من الماضي، وعلينا أن ندرك ذلك إن طبيعة العبودية الحديثة تجعلها سرية ومخفية عن الأنظار، ولكن هذا لا يعنى أنها لا تحدث فى كل مكان، وأن كل بلد فى العالم يتأثر بها"، وعرفت العبودية على أنها "حالات استغلال، حيث لا يمكن للشخص الذى يعانى من العبودية أن يرفض عمله أو يتركه بسبب تهديدات أو عنف أو إكراه أو إساءة استخدام للسلطة أو الخداع"، مشيرة إلى أن حوالى 45.8 مليون شخصاً من حول العالم اليوم يعيشون فى ظل هذا النوع من العبودية.
وطبقا لمؤشر العبودية فى هذه المؤسسة الدولية فإن نسبة الأشخاص الذين يعيشون فى ظل العبودية الحديثة فى موريتانيا انخفض بنسبة 4% عام 2014 إلى 1% عام 2016، فيما جاءت كوريا الشمالية بالمرتبة الأسوأ فى المؤشر، بعدما أظهرت الدراسة أن بين 20 شخصا هناك ضحية واحدة للعبودية.
فيما جاءت أوزبكستان بالمرتبة الثانية على صعيد عدد السكان فيما يخص انتشار العبودية الحديثة وذلك على رغم من اتباع بعض الخطوات لمعالجة العمل الإجبارى فى صناعة القطن لكن الحكومة الأوزبكية مازالت تخضع مواطنيها للعمل القسرى فى حصاد القطن كل عام.
ما سبق يؤكد حقيقة أن العبودية ليست ماضٍ وانتهى سواء بالشكل القديم الذى كان يقاد فيه العبيد ويباعون فى المزدادات أو الشكل الحديث أو ما يطلق عليه "العبودية الحديثة" بإجبار الأشخاص على العمل وتهديدهم حال تركه وعدم إعطائهم حقوقهم نهائيًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة