لإغلاق باب المزايدات مبكرا، نؤكد ونكرر، ونلح فى التكرار، إننا لسنا ضد المعارضة الوطنية التى تتمتع بشعبية ومصداقية وتأثير فى الشارع، بطول البلاد وعرضها، ولها منابر قانونية وقوية مثل الأحزاب، ولا تتمسح بجماعات متطرفة، وتنظيمات إرهابية مسلحة، ويشغلها دائما استقرار وأمن وازدهار وتقدم الوطن، ولا تبحث عن مصالح شخصية على جثة الوطن، أو ترتمى فى أحضان دول وكيانات معادية، وتتحدث عبر منابر وأبواق إعلامية هدفها إثارة الفوضى.
وبإسقاط هذا المفهوم الواضح على نهج المعارضة فى مصر، تكتشف ودون عناء، ابتعادها بنفس بُعد المسافة ما بين السماء والأرض، فالمعارضة المصرية اندثرت عقب رحيل الرموز إبراهيم شكرى، رئيس حزب العمل، وفؤاد باشا سراج الدين، زعيم حزب الوفد، وياسين سراج الدين، الوفدى العتيد، وممتاز نصار ابن أسيوط البار، والدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع، وضياء الدين داود، رئيس الحزب الناصرى، وبمرض خالد محيى الدين، رئيس حزب التجمع الأسبق، وغيرهم من القامات الوطنية، التى غلبت المصالح العليا للوطن فوق أى اعتبارات ومصالح شخصية أو حزبية ضيقة.
ورغم أن حمدين صباحى ظهر وسط هؤلاء العمالقة، وتدثر بالعباءة الناصرية، فإنه لم يتأثر مطلقا بنهجهم، ولا مواقفهم الراسخة رسوخ الرواسى، فى المساندة الدائمة للوطن فى عثراته، وفى حالة ما إذا تعرض لمخاطر، وظهر ذلك جليا فى معركة مصر مع الإرهاب فى التسعينيات من القرن الماضى، رغم اختلافهم السياسى الواضح مع مبارك ونظامه، ومن قبله السادات وعبدالناصر، وتجردوا من كل شوائب المصالح الشخصية، بل إن معظمهم أنفقوا ثرواتهم فى سبيل الدفاع عن أفكارهم، وتأسيس منابر قوية، كان صوتها عالى ومسموع ومؤثر أيضا.
حمدين صباحى، كرس كل جهوده فى البحث عن الطرق والوسائل الموصلة لمقاعد السلطة، ويرى فى نفسه أنه الوحيد فى مصر الذى يفهم فى السياسة، رغم كل الموبقات التى ارتكبها، ومنها شق صف الحزب الناصرى، الذى كان يتمتع بشعبية وثقة المصريين حينذاك، بل وذهب لتأسيس كيان ناصرى تحت اسم «الكرامة» لضرب الحزب الناصرى «الأب».
وبعد فترة فوجئنا به يقفز من سفينة حزب الكرامة، ويؤسس تيارًا حمل اسم «التيار الشعبى»، ولم تمر أشهر قليلة حتى فوجئنا بتحول التيار إلى حزب يحمل نفس الاسم «التيار الشعبى»، ثم فوجئنا مرة ثالثة، بحمدين صباحى يعقد مؤتمرًا يعلن فيه دمج حزبى الكرامة والتيار الشعبى، وأخيرا أعلن عن تأسيس حركة مدنية تحمل اسم «الحركة المدنية الديمقراطية، وعلى غرار المقولة الشهيرة «ودنك منين يا جحا»، لا نعرف سر انفصال الكرامة عن التيار الشعبى، ولا دمجهما من جديد، مع أن أعضاء حزب الكرامة هم أنفسهم أعضاء حزب التيار الشعبى، وهم أنفسهم أيضا أعضاء الحركة المدنية الوطنية!
ولم يقف الأمر عن حد شق صف الحزب الناصرى، وتأسيس تيارات متعددة، ولكن ارتمى فى أحضان جماعة الإخوان الإرهابية ألد أعداء جمال عبدالناصر، الذى يتدثر حمدين صباحى بعباءته، وعقد معهم صفقات سرية، لدعمه فى انتخابات مجلس الشعب ببلده فى محافظة كفر الشيخ، وبالفعل تمكن من تحقيق ما أراد، ونجح فى البرلمان، دورة 2005 واستمر تقلب مواقفه السياسية تقلب شهر أمشير، بجانب عبقريته فى توثيق علاقاته القوية والحميمة مع الراحل صدام حسين، وأيضًا معمر القذافى، وحافظ الأسد، وكان خصمًا قويًا وعتيدًا للرئيس الأسبق حسنى مبارك، ومن قبله أنور السادات، ولطيفًا وودودًا للمعزول محمد مرسى.
صباحى يهاجم الديكتاتورية وينادى بالحرية والكرامة الإنسانية، التى يرددها طوال 7 سنوات كاملة، ويعتبر مبارك ديكتاتوريا، والسيسى امتداد له، ونسأله ونرجوه الإجابة، كيف ترى مبارك والسيسى ومن قبلهما السادات، ديكتاتوريين بينما ترى عبدالناصر نصير الحرية، وصدام حسين زعيم الأمة العربية، والقذافى الثائر الذى تتجاوز قامته جيفارا، وحافظ الأسد، الزعيم الديمقراطى القوى، وفتح صفحات جريدتك «الكرامة» للدفاع عنهم، ونشر إعلانات تدعمهم، وتعدد مواقفهم، ومن المعلوم بالضرورة أنه لا ينشر إعلانا واحدا فى أى وسيلة إعلام إلا بمقابل كبير ومجزٍ.
حمدين صباحى رغم إدراكه ويقينه التام بأن ليس له أى تأثير سياسى، أو شعبى، ونفس الأمر بالنسبة لمن حوله من أتباعه، وظهر ذلك فى فشله وسقوطه المتتالى وإلى حد الفضيحة فى كل الاستحقاقات الانتخابية التى خاضها، بجانب فشل كل المنابر السياسية التى أسسها، وفشله المهنى فى أن يكون صحفيا أو كاتبا كبيرا، له قلم مؤثر، ومع ذلك يخرج علينا كقائد حركة مدنية ديمقراطية، ولا نعرف مدى قانونية الحركة، وبدأ فى شن هجوم ضد الرئيس عبدالفتاح السيسى، ووصفه بالديكتاتور، وامتداد لمبارك، ثم أصدر بيانا ليلة أمس الأول، يعطينا درسا فى السياسة، ويشرح لنا السياسة الرشيدة القائمة على الكلام والحوار والتوافق والتعددية الحزبية وفقا للدستور، وأن الاستئثار بالقرارات المصيرية مع مطالبة الجميع بالصمت بحجة أن الوطن فى خطر، هو فى ذاته عين الخطر المحدق بالوطن.
ونقول لحمدين صباحى، أن المنابر الحزبية والسياسية أول من يمنحها الشرعية والقوة فى وجه أى نظام، الشعبية فى الشارع، وقوة التأثير وليس بالكلام، والتحدث لعدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ولنفس الوجوه المحروقة، ونسألك: طالما حضرتك لا تتمتع بشعبية ولا نعرف لك منبرا سياسيا ثابتا، ولا حيثية من أى نوع، فممكن تقول لنا «أنت مين»، وما هو حجمك السياسى، وتأثيرك الشعبى وما هو عملك بالضبط؟ والإجابة تكشف بجلاء أنك لن تكون يوما ما رئيسا للبلاد، ولن يكون لك مكان بين السياسيين فى المستقبل، فى ظل حراك سياسى سيتجاوزكم بقوة.
ولك الله يا مصر...!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة