مر أسبوعان على العمليات العسكرية التركية ضد بلدة عفرين التى يسيطر عليها الأكراد شمالى سوريا، وما زالت قوات أنقرة تواصل التوغل رغم خسائرها الواضحة، وسط تصاعد للضغوط الدولية عليها لوقف عملياتها الدموية.
حصيلة الأسبوعين الماضيين عشرات القتلى والجرحى من القوات التركية، ومئات من مواطنى البلدة السورية، وخلال ساعات أمس السبت وحده قُتل 7 جنود أتراك، وهى الحصيلة الأعلى لخسائر تركيا فى يوم واحد خلال العملية التى أطلقتها 20 يناير الماضى ضد وحدات حماية الشعب الكردية، التى تعتبرها أنقرة "مجموعة إرهابية"، وأطلقت عليها عملية "غصن الزيتون"، وسط تنديد دولى بالتوغل التركى، ويأتى ذلك بعد يوم من انتشار مقطع فيديو يُظهر تمثيل مسلحين داعمين للقوات التركية بجثة مقاتلة كردية، ليبقى السؤال القائم: ماذا جنت أنقرة من وراء عملياتها حتى الآن؟
طارق فهمى: العمليات التركية ضد عفرين لن تتوقف.. والتصعيد متوقع
فى هذا الإطار، يقول الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن العمليات العسكرية التركية ضد "عفرين" لن تتوقف، بل تتجه للتوسع لتشمل مدنا أخرى، وليس صحيحا أنها ستتوقف نتيجة الضغوط الإقليمية والدولية.
وأضاف "فهمى"، فى تصريح خاص لـ"اليوم السابع، أن تركيا ماضية فى نهجها لتغيير قواعد اللعبة فى هذه المنطقة السورية وما يجاورها من مناطق، مشيرا إلى أن عملية "غصن الزيتون" هدفها فرض استراتيجيات جديدة على الأرض بالنسبة للنظام السورى والمعارضة، وأيضا تتعلق بالأطراف الإقليمية الأخرى.
وشدد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، على أن الأتراك لن يتراجعوا، وأن خطاب أنقرة السياسى تصعيدى، ومن المحتمل أن يتم تصعيد الدور التركى فى سوريا خلال الساعات المقبلة، إن لم يكن هناك ردع من الجانب الروسى، لافتا إلى أن الجانب الأمريكى متردد فى اتخاذ موقف مباشر من الهجوم التركى، ويكتفى فقط بإطلاق التصريحات والتهديدات، ولم يتخذ موقفا عمليا، مشيرا إلى أن أمريكا سبق أن طرحت فكرة تشكيل قوة أمنية حدودية قبل العملية التركية، لكن يبدو أن الأمر لم يعد مطروحا لدى الإدارة الأمريكية، وهو ما انعكس على استمرار العمليات التركية والتصعيد بصورة كبيرة.
خبير شؤون دولية: أتوقع خروج بيان عربى يندد بالممارسات التركية
ويرى محمد حامد، الخبير فى الشؤون الدولية، أن الهجوم التركى على بلدة عفرين شمالى سوريا، الذى بدأ قبل أسبوعين من الآن، لم يُخطّط له بشكل جيد، وهو تحرك غير مدروس، خاصة أن الجيش التركى يتكبد خسائر واضحة.
وتوقع "حامد"، فى تصريح خاص لـ"اليوم السابع"، نهاية العمليات العسكرية التركية ضد "عفرين" خلال أسبوعين، موضحًا أنه بعد أسبوعين من العملية تخسر تركيا عسكريا، وسط رفض إقليمى ودولى، وانتقاد فرنسى واضح لتدخلها العنيف، مشيرا إلى أن الصمود الأسطورى للمقاتلين الأكراد، ضد الأتراك ومقاتليها من المعارضة، الذين لجأوا للتمثيل بالجثث وآخرها جثة مقاتلة كردية، يحوّل دفة العملية فى اتجاه آخر.
ولفت خبير الشؤون الدولية فى تصريحه، إلى أنه من المتوقع أن يخرج بيان عن عدد من الدول العربية، يندد بالممارسات التركية فى بلدة عفرين، معتبرا أن إسقاط طائرة روسية فى "إدلب" قد ينهى التواجد التركى ويقلصه خلال الفترة المقبلة، لكن تركيا الآن تحاول الخروج بشكل يحفظ ماء وجهها.
رئيس تحرير "شؤون تركية": استنزاف الأكراد والأتراك بعفرين مصلحة للنظام السورى
من زاوية أخرى، رأى محمد عبد القادر، رئيس تحرير مجلة شؤون تركية، أن استنزاف الأتراك والأكراد فى عفرين يصب فى صالح روسيا والنظام السورى، وأن هناك عددا من العوامل الرئيسية التى تتحكم فى مسار العمليات العسكرية التركية، فعلى المستوى المحلى هناك انتخابات فى 2019، وبات من المعهود أن يُصعّد حزب العدالة والتنمية خارجيا قبل أى انتخابات أو استفتاء.
وأضاف "عبد القادر"، فى تصريح خاص لـ"اليوم السابع"، أن الحزب التركى الحاكم صعّد فى العام الماضى مع الاتحاد الأوروبى وألمانيا لتمرير التعديلات الدستورية، أما فى الوقت الراهن فإن أنقرة تُصعّد فى سوريا، فى إطار حشد الأصوات القومية، متابعا: "العامل الخارجى المتحكم فى عمليات عفرين هو إعلان واشنطن فى وقت سابق عن قوة أمنية على الحدود قوامها 30 ألف جندى، يُضاف لذلك اتفاق المشاركين بمؤتمر سوتشى على صياغة دستور جديد لسوريا، بجانب مفاوضات جنيف المقبلة، لهذا فإن تركيا لديها مصلحة فى استباق الخطط الأمريكية والمساعى الروسية لحل الأزمة".
وأشار رئيس تحرير "شؤون تركية"، إلى مساعى تركيا لإجهاض المشروع الكردى فى سوريا عبر عملياتها فى عفرين، بحانب تحقيق التواصل الجغرافى بين المناطق الخاضعة لسيطرتها، كما أن تركيا تمنع وجود فيدرالية فى سوريا، مشيرا إلى أن هناك تقاسم نفوذ بسوريا بين الولايات المتحدة وروسيا، يبدو أنه لن يكون مؤقتا، بجانب مناطق تابعة للنفوذ التركى، وهو ما تنتج عنه تحديات ترتبط بالأطماع التركية فى الأراضى السورية، ومن ثم تأخذ الأمور مسار التصعيد.
ولفت "عبدالقادر" إلى أن العمليات العسكريات فى عفرين تختلف عن المناطق التى احتلتها تركيا شمالى سوريا، بسبب طبيعة تضاريس المنطقة، فضلا عن أن الميليشيات الكردية لديها القدرة على حرب العصابات، وقد تنتقل إلى حرب المدن، ما يؤدى لسقوط ضحايا أكثر من المدنيين، وستكون تكلفة العملية العسكرية التركية أكبر ولن يقتصر الأمر فقط على الداخل السورى، بل ينتقل إلى الداخل التركى، مع عودة عمليات حزب العمال الكردستانى داخل تركيا، واستهداف عناصر الجيش التركى.
وفيما يتعلق بالموقف الأمريكى، يرى رئيس تحرير مجلة شؤون تركية، أن واشنطن تنظر لـ"عفرين" باعتبارها منطقة نفوذ روسى، ولن تترك علاقاتها مع حليف مهم كأنقرة للتوتر أكثر من ذلك، لكن ستمارس ضغوطا ليكون نطاق العمليات محدودا، مع إطالة أمدها بما يحقق مصلحة أمريكا عبر إنهاك قدرة تركيا على مواصلة عملياتها.
أما بالنسبة لروسيا، قال "عبد القادر" إنها تأخذ بعين الاعتبار العلاقات التركية الأمريكية، وتسعى موسكو تسعى تظل أنقرة دائرة فى الفلك الروسى؛ لدفع المعارضة السورية للابتعاد عن مناطق عمليات الجيش السورى فى "إدلب"، بجانب مشاركة المعارضة فى سوتشى وأستانا، وتوقع رئيس تحرير "شؤون تركية" أن يكون نتاج عمليات "عفرين" استنزاف لطرف حليف لأمريكا، هو الأكراد، بجانب الطرف الآخر وهو تركيا، التى لها أجندتها الخاصة فى سوريا، مشيرا إلى أن الطرفين ليسوا حلفاء أو خصوما لروسيا بالمعنى الكامل، ومن ثم يُعدّ استنزاف الأكراد والأتراك مصلحة لروسيا والنظام السورى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة