نخطئ كثيراً إذا كان مفهومنا عن الأمان أنه يتحقق فقط إذا نجحنا فى تأمين حدود الدولة ضد أى اختراق خارجى، أو إذا نجحنا فى السيطرة على جميع مظاهر الجريمة، وحماية البلاد من خطر الإرهاب والاضطرابات الداخلية، لأن المعنى الكامل للأمان لا يتحقق بهذه الأبجديات فقط، بل يتعداها إلى ما هو أعمق من ذلك بكثير وهو ما يمكن أن نطلق عليه «الأمان المعنوى»، وهذا النوع من الأمان هو الأصعب على الإطلاق، لأنه يتعلق بتحقيق الطمأنينة الشاملة للفرد فى كامل الزمان والمكان، وتحقيقه بالطبع لن يتأتى إلا بالعمل الدؤوب الشجاع الذى يتسم بالعلم والعدل معاً، وبجانبه وعلى نفس الدرجة من الأهمية حسن اختيار المسؤولين.. ولكى لا يكون كلامى مرسلاً أرجو أن نجيب على أنفسنا بمنتهى الأمانة والتجرد: هل يمكن أن يشعر بالأمان كل موظف أو عامل لا يكفى دخله قوت أسرته؟ هل يمكن أن يشعر بالأمان كل مريض أو معاق لا يجد سبيلاً إلى العلاج؟
هل يمكن أن يشعر بالأمان كل عاطل سدت أمامه أبواب العمل وسبل الرزق الحلال؟ هل يمكن أن يشعر بالأمان كل طفل شوارع لا يجد من ينظر إليه بعين العطف والرحمة؟ هل يمكن أن تشعر بالأمان كل أرملة أو مطلقة فقيرة لا تجد ما تسد به رمق أولادها؟ هل يمكن أن يشعر بالأمان كل يتيم يصارع الحياة وحيداً ولا يجد من يمد له يد العون؟ هل يمكن أن يشعر بالأمان مظلوم لا يستطيع أن يحصل على حقه بسبب بطء وتعقيد إجراءات التقاضى؟ .. عندما نستطيع الإجابة بنعم يمكن عندها فقط أن نعلن بكل جسارة وفخر أننا قد حققنا لجموع المواطنين المعنى الحقيقى للأمان الكامل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة