ثلاثة أشهر تفصل بيروت عن انتخابات نيابية حاسمة فى مشهد إقليمى عاصف، وكلما اقترب الموعد تصاعدت حدة التجاذبات بين الأطياف المختلفة، فتلك المنافسة المرتقبة فى مايو المقبل ستعيد رسم الخريطة السياسية بالداخل اللبنانى من جديد فى ظل تدخلات دول اقليمية لترجيح كفة تيار على آخر.. وفى حين بدأت المعركة مبكرا وأخذت الانقسامات تدب فى الساحة السياسية خاصة بعد وصف وزير الخارجية جبران باسيل لرئيس مجلس النواب نبيه برى بـ"البلطجى"، جاءت تل أبيب لتوحد الجميع تحت راية الدفاع عن سيادة الدولة.
بدأت القصة عندما أعلنت الحكومة اللبنانية إطلاق جولة تراخيص للنفط والغاز بعدما قررت فتح خمسة مجمعات بحرية (1 و4 و8 و9 و10) أمام المستثمرين لتقديم عروضهم، حيث من المقرر أن يوقع لبنان الأسبوع الجارى عقودا مع ثلاث شركات دولية هي "توتال" الفرنسية و"ايني" الايطالية و"نوفاتيك" الروسية، للتنقيب عن النفط والغاز في الرقعتين 4 و9 في المياه الإقليمية اللبنانية، على أن تبدأ عمليات الاستكشاف العام المقبل.
الاكتشافات النفطية المحتملة تشعل نزاعاً مبكراً بين تل أبيب وبيروت
هذا الإعلان الذى أوغر صدر اسرائيل وقادتها الذين اعتادوا سرقة الارض وتزوير التاريخ، فما أن أعلنت بيروت عن خطتها النفطية حتى خرج وزراء بنيامين ننياهو يتوعدونها بحرب ضارية لتعديها على نفط تل أبيب.
ويعد "بلوك ٩" هو جوهر الخلاف حيث قال وزير الدفاع الإسرائيلى افيجدور ليبرمان ان هذا البلوك يقع فى حدود اسرائيل وملك لها وهدد برد قاسى، وأضاف في هذا الصدد "يمنحون عروضا على حقل للغاز، فيه رقعة هي ملكنا بكل المقاييس، الى مجموعات دولية هي شركات محترمة ترتكب برأيي خطأ فادحاً يخالف كل القواعد والبروتوكول في حالات مماثلة".
تصريحات حكومة تل أبيب بقدر استفزازها الا أنها عملت لصالح الداخل اللبنانى، فعلى مدار الـ ٤٨ ساعة الماضية تراجعت حده الخلافات الداخلية بين الاطياف السياسية المختلفة، وبدلا من أن كان الجميع يصوب سهامه نحو منافسه السياسى – وسط تلاسن بين قادة سياسيين كبار - تجمعت تلك السهام نحو العدو.
ليبرمان
تصريحات جميع المسئولين داخل لبنان اجتمعت كلها مدافعة عن كرامة بيروت، وفى مقدمتهم الرئيس اللبناني ميشال عون، الذى شدد على إن بلاده سترد "دبلوماسيا" على الادعاءات الإسرائيلية بشأن منطقة النفط والغاز المتنازع عليها في البحر المتوسط، ونشر عون على حسابه على تويتر " لبنان تحرك لمواجهة هذه الادعاءات الإسرائيلية بالطرق الدبلوماسية مع تأكيده على حقه في الدفاع عن سيادته وسلامة أراضيه بكل السبل المتاحة".
وأضاف الحساب الرسمي للرئاسة اللبنانية على تويتر إن عون اتفق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على "عقد اجتماع يوم الثلاثاء لدرس الخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة التهديدات الإسرائيلية المتكررة".
ووصف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري كلام ليبرمان بالادعاء الباطل شكلا ومضمونا، وبأنه يقع في إطار سياسات إسرائيل التوسعية والاستيطانية لقضم حقوق الآخرين وتهديد الأمن الإقليمي، فيما حذر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري من خطورة كلام ليبرمان، وشدد في بيان على أن الوضع الراهن يتطلب من اللبنانيين التشبث بالوحدة.
سعد الحريرى
واستنادا على تلك المواقف الوطنية أعلنت الحكومة اللبنانية عزمها القيام بكل ما في وسعها لمتابعة عمليات التنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقليمية، وقال وزير الطاقة والمياه اللبناني سيزار أبي خليل، ستقوم اسرائيل بكل ما في وسعها لمنع لبنان من الاستفادة من ثرواتها النفطية ونحن سنقوم بكل ما في وسعنا للدفاع عنها.
ولم يترك حزب الله تلك الفرصة تمر دون ان يستعرض قوته العسكرية التى يعتبرها خط الدفاع الاول عن لبنان، واعتبر عضو المجلس المركزي في حزب الله نبيل قاووق أن "لبنان اليوم يشهد عدوانا حقيقيا على الثروة النفطية وهو حقيقة قائمة، لكن حماية هذه الثروة في البلوك تسعة تشكل قضية وطنية لا تحتمل اي تساهل او تنازل وهي قضية تسمو على جميع الاعتبارات الانتخابية والحساسيات والخلافات الداخلية فهي تعني كل الكرامة والسيادة اللبنانية ولا فرق بين حبة تراب او قطرة نفط يمتلكها لبنان".
وقال قاووق إن لبنان لا ينتظر مجلس امن ولا جامعة عربية لحماية السيادة والثروة النفطية اللبنانية، والمقاومة تعرف كل واجباتها الوطنية بالتكامل بينها وبين الجيش البناني، فلبنان في حصن حصين وهذا التكامل هو عنوان قوة لبنان وعلى "إسرائيل" ان تحسب الف حساب قبل ان تفكر في الاعتداء عليه".
حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبنانى
وأضاف الشيخ قاووق أن "قوة المقاومة التي تعاظمت رغم إرادة أعدائها تشكل الركيزة الأساس والقبة لأي موقف لبناني سياسي او غيره، فبمعادلة المقاومة نستطيع حماية الثروة النفطية وانتزاع كامل حقوقنا من العدو الاسرائيلي، المقاومة تمتلك من القدرة ما يفوق ما كانت تمتلكه في 2006، وهذا ما يردع العدو".
وهكذا تفرقت الطوائف اللبنانية سياسيا لتأتى اسرائيل دون قصد لتجمعهم على مبدأ الدفاع عن سيادة الدولة، حتى وان كانت تصريحات السياسيين تأتى بغرض الاستهلاك الانتخابى الا انها هدأت حدة التوتر الداخلى ومنعت انفجار وشيك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة