من بين أهم العبارات التى وردت بتقرير لجنة تقصى الحقائق فى حادث سقوط مصعد مستشفى بنها الجامعى أن المصعد تآكل من الصدأ.. نتوقف عندها قليلا، بمزيد من التحليل والقراءة بين السطور، لم تصف لجنة تقصى الحقائق حالة المصعد بأنه سيئ أو به عطل فنى نتج عنه الحادث أو تأخرت صيانته إنما اختارت توصيف «المصعد تآكل من الصدأ» وهو وصف يكشف مزيدا من جوانب الفساد التى تكمن فى التفاصيل، وتتضخم يوما بعد يوم، حتى تقع كارثة مثلما وقعت كارثة سقوط المصعد ونتج عنها وفاة 7 مواطنين.
الكارثة أن لجنة تقصى الحقائق وهى تفند الأوراق وتعاين المصاعد الأخرى اكتشفت ما هو أخطر أن حادثا جديدا كان على وشك الوقوع، لأن المصاعد الأخرى بنفس المستشفى تعانى من نفس الأخطاء الهندسية والفنية وبالتالى كانت ستتعرض لنفس الحادث غدا أو بعد غد أو بعد أسبوع، وهو ما دفع اللجنة لإصدار قرار يلزم المستشفى بوقف العمل بكل المصاعد.
المفاجأة أن أزمة المصعد لم تكن فقط فى غياب الصيانة الدورية له أو حتى مراجعة عمليات التشغيل من وقت لآخر إنما كانت لأن هناك خطأ هندسيا فى تصميمات الأعمدة الخرسانية المثبت عليه المصعد.. نتوقف عندها قليلا، خطأ هندسى فى تصميمات الأعمدة الخرسانية، بما معناه أن الفساد فى مستشفى بنها ليس حديثا بأمر يتعلق بأزمة عدم الصيانة ولكن منذ بداية التأسيس الهندسى للمبنى وللأعمدة الخرسانية.
الحقيقة، تشعر كأنك وسط دائرة مكتملة من الفساد، لأنه إلى جوار عدم الصيانة والخطأ الهندسى فى الأعمدة، اشتملت عمليات تركيب المصاعد نفسها على خطأ جديد، لأنه تم تركيبها بشكل مخالف للمواصفات الفنية والهندسية وجرى العمل به بشكل مخالف للمواصفات الهندسية والفنية أيضا، والسؤال هنا من وافق على صحة التصميمات الهندسية للأعمدة الخرسانية التى تم تثبيت المصعد عليها؟ ومن وقع على صحتها؟ ومن أشرف على تركيبها؟ ومن وقع على مطابقة التركيب للمواصفات الفنية؟ ومن وقع على ورقة «أمان» المصعد، وهو يعلم أنه غير آمن؟
من موقعى هذا، أتقدم بالشكر لنقابة المهندسين وللجنة تقصى الحقائق فى واقعة مصعد مستشفى بنها الجامعى، ليس لكشفها حقائق سقوط المصعد، ولكن لكشفها أن سقوط مصاعد من قبل فى جهات أخرى بالدولة لم يتم الإعلان عنها.
إذن نحن نتحدث عن فساد يمشى على الأرض، بداية من التركيب والتوريد والصيانة والتنفيذ والإشراف، فى كل مرحلة يتغلل الفساد، ينتشر فى التفاصيل، يعلن المسؤولون فى العلن قيامهم بعمليات تطوير بينما خلف الكواليس تتزايد عمليات السرقة باسم التطوير، وهو ما أدرجته اللجنة فى عبارة موجزة قالت فيها: «تم الإعلان عن تطوير المصاعد فى 2009، ولكنه كان تطويرا شكليا فقط».
تقرير لجنة تقصى الحقائق فى واقعة سقوط مصعد مستشفى جامعة بنها، عنوان للحقيقة المجردة التى تعرى الفاسدين بمختلف درجاتهم الوظيفية فاسدين بالرشاوى وبالإهمال وبالتزوير وبالصمت عن إعلان الحقيقة، وأعتقد أن العدل فى القضية هو المحاسبة الجنائية لكل موظف فاسد متورط فى هذه الجريمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة