أواصل قراءتى فى الملف الأمريكى، وسياسات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل، التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وهذا ما كشفه البحث، الذى حمل عنوان «العلاقات الأمريكية الإسرائيلية فى فترة الرئيس السابق أوباما تجاه الشرق الأوسط 2009-2016»، وأعدته الباحثة أمينة محمد محمود خليل، المركز الديمقراطى العربى، وأشرفت عليه الدكتورة نورهان الشيخ، ونشره المركز الديمقراطى العربى فى قسم الدراسات العبرية والإسرائيلية، حيث تقول الباحثة: لم تكن الاستراتيجية التى أعلن عنها «أوباما» وليدة هذه اللحظة، بل سبقتها عدةُ تحركات دولية لاستهداف «داعش» يتمثل أولها فى استصدار قرارٍ من مجلس الأمن.
وكان مجلس الأمن الدولى قد تبنَّى، بالإجماع، قرارًا يدعو إلى الامتناع عن دعم وتمويل وتسليح إرهابيى ما يُسمَّى تنظيم دولة العراق والشام “داعش” وجبهة النصرة ومنع تدفق الإرهابيين إلى سوريا والعراق، واتخاذ تدابير وطنية لمنع تدفق المقاتلين الأجانب الإرهابيين، وحظر البيع المباشر أو غير المباشر للأسلحة والمواد ذات الصلة إلى الإرهابيين.. ومع ذلك حمل هذا القرارُ عباراتٍ «فِضْفَاضة» فهو لم يحدد هذه الدول التى تمتثل لهذا القرار وآليات تنفيذه، كما لم يحدد القرار الدول أو جهات معينة، التى تموًل هذه التنظيمات، وبالتالى ظل هذا القرار «غامضًا».
وينصرف ثانيهما إلى اجتماع قمة دول «الناتو» فى مقاطعة «ويلز» فى بريطانيا، بحضور الرئيس الأمريكى «باراك أوباما»، حيث أبدى فيه قادة دول حلف الأطلسى استعدادهم لمساعدة العراق إذا ما طُلِب ذلك. وأعلن من خلاله عن تشكيل التحالف الأساسى، الذى ضم 10 دولٍ؛ هي: بولندا، وفرنسا، وإنجلترا، وألمانيا، وإيطاليا، والدنمارك، وكندا، إضافةً إلى أستراليا والولايات المتحدة.
ويتعلق ثالثهما بـ «مؤتمر جدة لمكافحة الإرهاب» -وقد تزامن هذا المؤتمر مع إعلان الرئيس «أوباما» استراتيجيته لمواجهة «داعش»- فمن خلاله تعهدت 11 دولة، فى اجتماع إقليمى عُقِد فى مدينة جدة بالسعودية، عُرِف بالاجتماع «العربى- التركى- الأمريكى»، فى 11 سبتمبر، من أجل تأمين حشد دولى لمحاربة تنظيم «داعش»، حيث أكد «كيرى» على دور كل دولة مشارِكة بهذا الاجتماع فى مواجهة الإرهاب، مشيرًا إلى الدعم المادى والعسكرى، ومنع وصول الأموال والمقاتلين إلى تنظيم الدولة.
ووفقًا للجهود السابقة، يتضح- وحسب الباحثة - أن الولايات المتحدة كانت تسعى جاهدة إلى تشكيل تحالف سياسى وعسكرى يضم أصدقاء واشنطن من الدول الأوروبية، وحلفاءها فى المنطقة، حتى لا تتحمل مسؤولية مواجهة «داعش» بمفردها، والتورط مجددًا فى مستنقع المنطقة، علاوة على ذلك، فإن الخطة التى أعلنها «أوباما»، يبدو من ثناياها، أنها «طموحة» مقارنةً بما يحدث على أرض الواقع، والسبب فى ذلك يرجع إلى صعوبة تدمير جماعة إرهابية بأكملها.. ويرى الخبراء أن المهمة ليست سهلة، حيث إنه ليس فقط منظمة إرهابية، بل إنه جيش متمردين.. بالإضافة إلى ذلك، فقد أصبح التنظيم أكثر قوة بكثير، مما كان عليه فى السابق، فقد بات يسيطر على مساحة جغرافية واسعة، فضلا عن قدراته التسليحية، التى حصل عليها من مواجهاته فى الموصل والمحافظات الأخرى.
بالنسبة لإسرائيل: فقد أكد كل من وزير الدفاع الإسرائيلى، موشيه يعالون، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، ورئيس معهد أبحاث الأمن القومى بجامعة تل أبيب عاموس يادلين، أن تنظيم “داعش” لا يشكل خطرا مباشرا أو جادا على إسرائيل، خلافا لحركة “حماس” - الموجودة بمحاذاة حدود إسرائيل- فإن “داعش” لا يمتلك أنفاقا ولا قدرات مدفعية أو صواريخ، كما أنه ليس لديه حلفاء يزودونه بالسلاح المتطور.. وإستراتيجيا لا يتخطى تعداد مقاتلى “داعش” -بما فيه المليشيات التى انضمت له- عشرة آلاف مقاتل، وهو ما يعادل نصف حجم القوة العسكرية لحركة حماس، فيما لا يتجاوز مستوى تسليحه المتواضع سيارات «تندر» وبنادق «كلاشينكوفات» ورشاشات.
تهديد داعش كمنظمة جهاد عالمية لإسرائيل لا يختلف جوهريا عن تهديد تنظيم القاعدة، الذى تتعايش إسرائيل معه منذ ما يربو على عشر سنوات، وأضاف أنه فى حال قيام «داعش» بنقل نشاطه من العراق إلى إسرائيل فإنه سيقع فريسة للاستخبارات الإسرائيلية وطائرات سلاح الجو والسلاح الدقيق المتطور الذى بحوزة القوات البرية الإسرائيلية.
وبرغم الغياب النسبى لإسرائيل فى خضم التحضيرات للتحالف الدولى والإقليمى ضد “داعش”، لم تلبث مصادر غربية وإسرائيلية تؤكد أن تل أبيب كانت تحاول بطرق غير مباشرة أن تكون جزءا من هذا التحالف عبر القيام بدور استخباراتى مؤثر، حيث قدمت حكومة تل أبيب بالفعل للناتو ودول عربية مشاركة فى الحرب على “داعش” معلومات قيمة عن مواقع وقدرات وتحركات التنظيم فى سوريا والعراق، كما وفرت معلومات استخبارية وصورا التقطت عبر أقمارها الاصطناعية التجسسية لدعم الحملة العسكرية التى تقودها الولايات المتحدة ضد التنظيم، والتى أعلن أوباما أن إسهامات الأطراف المشاركة فيها لن تكون عسكرية مباشرة فقط وإنما ستتوزع أدوارها ما بين الدعائى والاقتصادى واللوجيستى والأمنى والاستخباراتى.. فمن جهة، تتطلع تل أبيب إلى تفويت الفرصة على طهران وتقويض محاولاتها للمشاركة فى هذا التحالف توخيا لترميم علاقاتها مع الغرب وجيرانها العرب بما يساعدها على تقليص فجوة الثقة بينها وبينهم بشأن برنامجها النووى.. يتبع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة