أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى، وسياسات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وهذا ما كشفه البحث الذى حمل عنوان «العلاقات الأمريكية الإسرائيلية فى فتره الرئيس السابق أوباما تجاه الشرق الأوسط 2009-2016»، وأعدته الباحثة أمينة محمد محمود خليل، المركز الديمقراطى العربى، وأشرفت عليه الدكتورة نورهان الشيخ، ونشره المركز الديمقراطى العربى فى قسم الدراسات العبرية والإسرائيلية، حيث تقول الباحثة: بالنسبة للقضية السورية، الإشارة إلى إسقاط نظام «بشار الأسد» ومن جهة أخرى، بكلّ رموزه وأركانه ومحاسبة من تلطّخت أيديهم بدماء الشعب السورى، من الصعوبة بمكان تقدير أثر سقوط ذلك على مستقبل السلام بين سوريا وإسرائيل.
فخلال الأعوام الأربعين الماضية من حكم أسرة الأسد لسوريا، فشلت كل الجهود التى بذلت لحل الصراع السورى - الإسرائيلى، وهذا الميراث التاريخى الطويل من العداء جعل بعض المراقبين يرجح أن الساسة السوريين سينظرون إلى السلام مع إسرائيل باعتباره «مغامرة خطيرة»، وبالتالى فلن يقدموا عليه إلا بعد تعزيز أوضاعهم الداخلية، وهو الأمر الذى لا يبدو ممكنا فى المستقبل القريب، سواء بقى الرئيس الأسد فى السلطة، أو رحل، وحتى إذا سقط نظام بشار الأسد فسيكون من الصعوبة بمكان توقع موافقة النظام الحاكم الجديد فى سوريا على التوصل إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل فى وقت قصير، فى ظل الضغوط المكثفة التى ستمارسها عليه بعض الدوائر السياسية العربية والفلسطينية لمنع التقدم فى مسار العملية السلمية، حتى لا يتم «التفريط فى القدس»، تلبية احتياجات اللاجئين السوريين ذى الأعداد المتزايدة تلبيةً سريعة وفعّالة بمساعدة المجتمع الدولى.
فضلاً عن الأهمية الإنسانية لهذه المسألة، يمكن الحدّ من التداعيات السياسية والاقتصادية والأمنية المحتملة لتدفّق اللاجئين إذا ما اعتُمِدَت استراتيجية أكثر صلابة لمعالجة هذا الموضوع، وأيضا دور الولايات المتحدة والمنظمات العالمية فى حل مشكلة اللاجئين السوريين والتخلص من نظام بشار وغموض دور إسرائيل فى تلك الازمة.
وأشارت الباحثة إلى أنه وبالرغم من تلك الخلافات التى تم ذكرها سابقا إلا أن العلاقات بين أمريكا وإسرائيل هى علاقة وثيقة، وكما يقول الباحثون فإن الدّعم الأمريكى تجلّى منذ إعلان دولة إسرائيل وحتّى وقتنا الحاضر، وهذا يؤكّد القول بأنّ هناك ترابطاً عضويّاً بين الولايات المتّحدة وإسرائيل الّذى عبّرت عنه بعض الأوساط العربيّة القوميّة بأنّ دولة إسرائيل هى إحدى ولايات البيت الأبيض، وأنّ أمريكا هى إسرائيل، وإسرائيل هى أمريكا، حيث إن معظم المجموعات اليهودية تنسى خلافاتها، وتحقق حالة من شبه الإجماع عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وبالسياسة الأميركية فى الشرق الأوسط، ولكن لماذا يقف البلدان أحيانا فى موضع عداء متبادل؟ خاصة أن العلاقات بينهما كانت جيدة جدا حتى سنوات السبعينات من القرن الماضى، حيث كان بينهما تعاون اقتصادى ودبلوماسى وعسكرى أيضا.
الباحث جاد يائير كان يعمل مع زميل إيرانى على دراسة اجتماعية حول هذا الموضوع، تعرف الأكاديميان على بعضهما خلال أحد المؤتمرات فى أوروبا، وهناك خطرت لهما فكرة إنجاز هذا البحث. الدراسة المشتركة التى انتهيا من إعدادها، حملت عنوان «من الصدمة الثقافية إلى الحرب النووية - توضيحات بشأن الصراع الإيرانى الإسرائيلى»، وتم الاستقرا على نشر الدراسة دون ذكر اسم عالم الاجتماع الإيرانى، خوفا من تعرضه للقمع، عالم الاجتماع جاد يائير: واحد من باحثين اثنين، أعدا دارسة تحليلية للصدمة الوطنية فى كل من إيران وإسرائيل.
كلا الباحثين توصلا إلى استنتاج مفاده أن كلا الشعبين يعانيان من صدمة ثقافية نشأت من التاريخ الخاص بهما، رغم عدم وجود أى علاقة مع العدو المفترض، «إيران تقاتل ضد الهيمنة الأجنبية، وإسرائيل تحارب ضد الخوف من انتهاء وجودها»، كما يلخص يائير هذه الظاهرة.
إيران، كانت يوما ما إمبراطورية عملاقة، «تعانى من تأثيرات قرون طويلة من تدخل القوى الأجنبية»، المغول بقيادة جنكيز خان، والعثمانيون، والبريطانيون والروس، كل هذه القوى ساهمت فى التدخل فى إيران، مثلها مثل الولايات المتحدة التى تدخلت مرارا فى شؤون البلاد بشكل فاعل، كما يقول يائير. على سبيل المثال، تمت الإطاحة برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق عام 1953، وبمساعدة من الغرب أعيدت ديكتاتورية الشاه مجددا.
يضاف إلى هذه الإهانات ضد المواقف الوطنية تلك العقوبات التى فرضتها الدول الصناعية الغربية قبل سنوات، بسبب برنامج التسلح النووى الإيرانى المفترض. والبرنامج النووى، وفقا لدراسة الباحثين، هى محاولة من إيران لامتلاك قوة ردع تجعل منها قوة عظمى لا يمكن المساس بها، أى كما كانت خلال «الماضى المجيد» للإمبراطورية الفارسية، غير أن إسرائيل «كممثل غربى فى الشرق الأوسط وكحليف للولايات المتحدة» أصبحت بالنسبة لإيران رمزا للعداء، وحتى احتلال الأراضى الفلسطينية يتم استغلاله باستمرار فى إيران للتنديد «بالعدو إسرائيل».
وبالمقابل فهناك لدى الإسرائيليين شعور دائم بالخوف من الانقراض، كما يقول الباحث يائير، كما لم يقدم الدين مساعدة نفسية للابتعاد عن ذلك الشعور، لأن كثيرا من الأعياد الدينية تُذكر بالرق والطرد والنفى، حيث تتحرك فى الذاكرة الجماعية صورة المذابح التى تعرض لها اليهود فى القرنين التاسع عشر والعشرين، إضافة للمحرقة «الهولوكوست». «يتبع»..