«يا ترى دى معلومة موثقة ولا كلام فيس بوك؟»، سؤال أصبح يتردد كثيرا فى الواقع الافتراضى والإنترنت، بعد شيوع ظاهرة الأخبار المفبركة والشائعات التى تنتشر كثيرا وبعضها منسوب بشكل مزور لمواقع أو جهات رسمية، وغالبا ما يكون جزء منها صحيحا وأغلبها مضروب. هذه الظاهرة بدأت فى السياسة وأصبحت جزءا من الدعايات السوداء لمنصات خارجية تفعل ذلك بأجر.
فى السابق كانت جملة «كلام جرايد» هى التعبير عن الأخبار العادية التى تحمل وعودا حكومية لاتتحقق أو معلومات يتضح أنها ناقصة أو غير موثقة، لكنها اليوم أصبحت تتعلق أكثر بفيس بوك أو تويتر ومواقع التواصل، وهى ظاهرة لا تتعلق بنا وحدنا لكنها ظاهرة عالمية، ووصل الأمر إلى أن الإحصائيات تشير لوجود 40 - %50 من أخبار فيس بوك شائعات، وهو ما دفع مارك زوكربيرج إلى إعلان سياسات جديدة تقلل من الأخبار المفبركة والشائعات، لكن يبدو أن أى سياسات تعالج هذا من شانها أن تقلل حجم الدخول والاستخدام، وهو ما يؤدى لخسائر فيس بوك، وهو أمر يجعل من الصعب توقع أى تدخلات تخفف من الشائعات على مواقع التواصل.
وفى نفس السياق فإن تأثير هذا النوع من الأخبار المفبركة تراجع عن السابق، ولم يعد غالبية المستخدمين الطبيعيين يثقون فى مثل هذه الفبركات والشائعات، لكنها تصنع ضجيجا ودوشة ولا تعبر عن واقع حقيقى وسرعان ما تفقد تأثيرها، خاصة مع سرعة الرد والتعامل من قبل الجهات المعنية التى أصبحت هى الأخرى تهتم بامتلاك أدوات التفاعل، وهذا من ميزات أدوات التواصل أنها تجبر الجهات الرسمية على عدم تجاهل أى نوع من الأحداث، وتسارع بالرد أو التوضيح، الأمر الذى يساهم فى التقليل من تأثير الأخبار المفبركة.
ومن طبيعة عالم التواصل والإنترنت أنه مجال معقد يعكس تعقيدات الواقع، ومرات كثيرة أشرنا إلى أننا أمام أدوات ليست خيرة أو شريرة بطبيعتها، لكنها أدوات يمكن استعمالها فى الخير أو الشر أو السرقة أو النصب أو الابتزاز والانتقام.
لكن بعيدا عن الأخبار المفبركة، فإن بعض كبار نجوم النشاط السياسى غالبا ما يواجهون أزمة فى تراجع التفاعل مع ما ينشرونه، من بوستات أو تعليقات، أو يجد الواحد منهم نفسه عاجزا عن طرح وجهة نظر تجذب الشير والريتويت، فيلجأ إلى الاعتماد على أخبار وتقارير ليست مفبركة ولكنها من نوعية ما يسمى «الأخبار المغسولة»، وهى تقارير غالبا ما يتم تسريبها إلى مواقع أجنبية معروفة.
وآخر مثال على ذلك تقرير «غامض» نشره موقع بى بى سى عن عمليات يقوم طيران إسرائيلى ضد التنظيمات الإرهابية فى سيناء، وكان التقرير إعادة لنشر مقالات وتعليقات غير موثقة فى صحف إسرائيلية وبالرغم من عدم منطقية التقرير إلا أن أحد نشطاء الحقوقيين على تويتر أعاد نشر التقرير المغسول الذى تظهر فيه أصابع الأجهزة، وبعيدا عن وجود شكوك فى علاقة داعش والنصرة وتنظيمات الإرهاب بإسرائيل، وكونها لم تنفذ عملية واحدة ولا أصدرت حتى بيانات ضد إسرائيل ولو من باب إبعاد الشبهة، لكن الناشط الحقوقى وجد فى التقرير فرصة للتشهير ما باب العداء، ولم يفرق بين الاختلاف فى الرأى وترديد تقارير مغسولة تفتقد للمصداقية، والأصل فى الخلاف هو الضغط لترك التمويلات أو تعديل قانون الجمعيات، وهى مطالب يختلف ويتفق حولها السياسيون لكنها لا تعنى استعمال «أسلحة قذرة وتقارير مزورة» وتحويل الخلاف إلى عداء.
ونفس المثال مع تقارير اعتادت منصات مثل نيويورك تايمز أو رويترز نشرها أحيانا تخلو من أى مصادر وتستند لمصادر مجهولة ترفض ذكر اسمها، وهو تقارير لاتتناسب مع تاريخ هذه المنصات، وتقلل من مصداقيتها، بتكرار نشر «الأخبار المغسولة» التى تنشر من أجل إطلاقها على مواقع التواصل وتدخل ضمن «كلام الفيس بوك» المدهون بفبركة. ولحسن الحظ أن هذه النوعية من الأخبار لم تعد تجد صدى وأصبح من السهل كشف تزويرها، لكن هذا لا يمنع من أن أدوات التواصل أصبحت من بين أدوات الابتزاز والتشهير وهذه قصة أخرى.