رغم الأزمات وغياب الشعبية ، إلا أنه استطاع على مدار سنوات قليلة تثبيت أقدامه داخل القصر جيداً، فما بين تفتيت جبهات الخصوم، والاستعانة بالقبضة الأمنية، تمكن الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو أن يفرض نفسه رقماً صعباً فى معادلة المشهد السياسى داخل ذلك البلد اللاتينى ويعلن نفسه مرشحاً لولاية رئاسية جديدة ستمدد بقاءه فى السلطة حتى عام 2025 حال نجاحه ـ شبه المحسوم ـ فى السباق الانتخابى المرتقب.
مادورو يقود فنزويلا نحو المجهول
مادورو الذى أعلن ترشحه رسمياً أمس فى الانتخابات المبكرة المقررة 22 إبريل، قال لدى تقديم أوراقه "إنها لحظة الوطن حتى عام 2025، وتقتضى مننا تعزيز إرث قائدنا هوجو تشافيز نحو الازدهار الاقتصادى"، برغم تدهور الأوضاع خلال ولايته الحالية من ارتفاع لمعدلات التضخم لأرقام تاريخية اجتازت حاجز الـ2700% مع نقص حاد فى الغذاء والسلع الأساسية والأدوية وغير ذلك.
ويظل مادورو الذى حرص على زيارة ضريح شافيز قبل تقديم أوراقه رسمياً، الأوفر حظاً فى الانتخابات المرتقبة رغم الأزمات التى تعانيها فنزويلا ذلك البلد النفطى، ورغم عدم امتلاكه كاريزمة وجاذبية سلفه الراحل، فالصراع الممتد بين نظامه الحاكم والمعارضة التى تسيطر بدورها على المجلس التشريعى والذى دفع الفنزويليين ثمنه غاليا بعد انعكاس تلك الأزمات على اقتصاد البلاد، استطاع مادورو استثماره لإحكام قبضته على مقاليد السلطة ومفاصل الدولة ومؤسساتها.
مسيرة للفنزويليين تخليدا لذكرى شافيز
ويرجح مراقبون ومتابعون للشأن الفنزويلى استمرار مادورو فى السلطة لولاية جديدة ، حيث قال فيليكس ساياس مدير معهد ديلفوس للاستطلاعات إن الرئيس الحالى "ماهر جدا فى تحقيق التوازنات ونجح فى تقسيم السلطة داخل التيار التشافيزى ما أكسبه قوة مكنته من فرض ترشحه للانتخابات الرئاسية بعد إعلان الحزب الاشتراكى الدفع به رسمياً نهاية الأسبوع الماضى، مضيفا أنه رغم غياب الكاريزما إلا أن مادورو يملك نوعا من الجرأة السياسية.
وفى مقدمة الأسباب التى تعزز نفوذ مادورو وترجح كفة استمراره داخل السلطة ، تأتى السيطرة على المؤسسات وفى مقدمتها الأجهزة الأمنية ـ الجيش والشرطة ـ حيث آجرى على مدار سنوات حكمه تعيينات جديدة لكبار الضباط فى الوزارات الاستراتيجية مثل البترول والتجارة الخارجية ، حيث تضم فنزويلا 14 وزيراً عسكرياً من أصل 32 وزيرا، بخلاف سيطرة رموز التيار "التشافيزى" على الهيئات والمؤسسات القضائية واللجان الانتخابية وغيرها من مفاصل الدولة.
الاحتجاجات فى فنزويلا عرض مستمر
ومن السيطرة على المؤسسات إلى تفتيت جبهة الخصوم، رسم "مادورو" سيناريوهات التمكين جيداً ومهد الطريق لولاية جديدة قبل سنوات، حيث تعانى المعارضة من انقسامات عميقة لغياب قياداتها التى إما أودعت السجن أو اختارت الاقامة خارج البلاد، فى ظل احتدام الأزمات داخل كاراكاس.
وفى استغلال للأزمة الاقتصادية الطاحنة ولضمان تحقيق مشاركة كثيفة فى الانتخابات المرتقبة ، أطلق مادورو فى 2016 برنامج المواد الغذائية المدعومة المخصصة للمناطق الشعبية والذى يستفيد منه 6 ملايين أسرة، بشرط استخراج "بطاقة الوطن"، والتى تشترط بدورها التصويت والمشاركة الانتخابية مقابل الاستفادة من برامج الضمان الاجتماعى، وهو النظام الذى آثار انتقادات واسعة من قبل المعارضة الفنزويلية، حيث تراه استغلالاً واضحاً لمعاناة المواطنين فى ظل النقص الحاد للمواد الغذائية والسلع الأساسية بشكل عام، فضلاً عن موجة الغلاء غير المسبوقة.
موجة الغلاء دفعت كثيرين لأعمال السلب والنهب
ووفقا لصحيفة "كلارين" الإسبانية فقد اعتبر البرلمان الفنزويلى الذى تهيمن عليه المعارضة أن مادورو يهدف إلى إجراء انتخابات مبكرة قبل عامين تقريبا من موعدها ، لمحاولة السيطرة على الوضع فى فنزويلا والتمسك بالحكم، وهو ما يظهر هدف مادورو الديكتاتورى للسيطرة على السلطات العامة.
وكان مادورو دعا الأربعاء الماضى إلى انتخابات تشريعية مبكرة قبل عامين تقريبا من موعدها بحيث تتزامن مع الاقتراع الرئاسى المقرر فى 22 أبريل المقبل ، وقال "سنمضى إلى الانتخابات مهما جرى بمشاركة تحالف المعارضة أم لا"، مضيفا انه سيقترح أيضا تقديم موعد الانتخابات التشريعية لـتجديد البرلمان الذي تهيمن عليه المعارضة.
جانب من المواجهات المتكررة بين الامن والمحتجين فى فنزويلا
وكان السياسى البارز رافايل راميريز المقرب من الراحل هوجو تشافيز خاطب مادورو بعد
أن أقاله فى ديسمبر 2017 من منصب سفير فى الأمم المتحدة بتهمة الفساد، قائلا: "لقد أفرطت فى استغلال اسم تشافيز وصورته، انت تحاول أن تشبهه لكن لا يمكنك".
ومن ناحية أخرى، فإن الأزمة الاقتصادية تزداد سوءا فى فنزويلا مع استمرار عهد مادورو، ووفقا لدراسة أجربت من قبل عدد من المنظمات غير الحكومية، فإن الفقر بلغ 87% فى البلاد ، و61.2% من السكان فى فقر مدقع.
من السياسة إلى الاقتصاد .. الأزمات تلاحق مادورو
وبحسب خبيرة علم الاجتماع ماريا بونس ، وودعت فنزويلا عام 2017 بتضخم قدره 2600٪، وفقا للبرلمان لأغلبية المعارضة، فى حين أن صندوق النقد الدولى أكد أنه سيصل إلى 13 ألف % فى 2018 ، مشيرة فى تصريحات لصحيفة الكوميرسيو الأسبانية إلى أن "تسعة من أصل عشرة فنزويليين لا يأكلون بشكل يومى و60% من المواطنين فقدوا 11 كم من وزنهم".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة