"اليوم السابع" داخل وحدة الجنين بقصر العينى.. طب إنقاذ الحياة قبل الولادة يعالج التشوهات الخلقية ويحمى من الوفاة داخل الرحم.. 100 حالة يوميا تتردد على العيادات.. وفصل الدورة الدموية للتوائم والفتق أشهر الجراحات

ثلاثة غرف وصالة انتظار تجلس فيها عشرات السيدات، وداخل كل غرفة منها توجد طبيبة أو طبيب يفحص مريضة بينما تنقل الشاشات الكبيرة صرخات غير مسموعة لجنين يعانى داخل الرحم من مشكلة صحية ويظهر بصورة تبدو حقيقية باللونين الأبيض والأسود تحت الموجات فوق الصوتية.

هكذا كانت وحدة الجنين بمستشفى النساء والتوليد قصر العينى، هذا المكان المجهز بأحدث الوسائل الطبية من أجل إنقاذ حياة من لم يولدوا بعد، بدأت بفكرة بسيطة فى عام 2004، وتحولت لحقيقة ملموسة على أرض الواقع عام 2006، حيث يقول الدكتور محمد ممتاز رئيس أقسام النساء والتوليد ومؤسس الوحدة: "كان يوجد لدينا أجهزة موجات فوق صوتية يمكنها تشخيص أمراض وعيوب الأجنة، وقد سبقتنا إنجلترا بـ10 سنوات فى البدء فيما يسمى بطب الجنين وانتشر لدول العالم سريعًا دون أن يصل إلينا لذلك أخذ قصر العينى ريادة هذا المشروع فى مصر".

من هنا كانت البداية

تكونت وحدة متخصصة فى طب الجنين 2006 بأجهزة الموجات الصوتية الموجودة لتشخيص الحالات ومعرفة المشكلات التى تحتاج لعلاج دوائى، وليس ذلك فقط بل للتنبؤ بمشكلات الحمل الوشيكة والوقاية منها وتجنبها، ومع الوقت تم إعادة الوحدة للمرة الثانية فى بداية عام 2017 بأجهزة حديثة وتقنيات جديدة ورؤية جديدة فى التدخل الجراحى لإنقاذ حياة جنين قبل فقدانه، إلى أن وصلت الآن إلى وحدة مكونة من 30 طبيبًا يعمل بها و تستقبل من 80 إلى 100 مريضة فى اليوم، بحسب ما أكده رئيس أقسام النساء والتوليد ومؤسس الوحدة.

وانتقل التخصص من قصر العينى للمحافظات والمستشفيات الأخرى، وأعدت دبلومة لطب الجنين تعطى شهادة مهنية سنة تدريب للطبيب وفى النهاية اختبار مع اجتيازه يحصل على شهادة معتمدة بخبرة كافية فى التخصص.

طب الجنين ليس علاج تشوهات فقط

أوضح الدكتور محمد ممتاز، أن طب الجنين به جزء جراحى وجزء علاجى، ولكنه يعتمد فى المقام الأول على التشخيص، ويكون التعامل ليس فقط لإصلاح تشوهات خلقية فى الجنين ولكن فى حالات الأمراض ومشكلات التوائم أو الحوامل مع الأجنة نتيجة اختلاف فصيلة الأم عن الأب، مضيفًا أن العلاج يشمل أدوية تأخذها الأم وتصل للجنين أو العلاج للجنين نفسه من خلال نقل دم له على سبيل المثال، وكذلك عندما يقل السائل الأمنيوسي، يمكن حقن رحم السيدة ببعض من السائل، وذلك بخلاف جراحات الأجنة المختلفة.

جراحات تجريها وحدة الجنين داخل الرحم

وأشار ممتاز إلى أن أشهر جراحات الأجنة تشمل مشكلات التوائم الذين يكونون "توائم أحادي البويضة"، وهو ما يعنى أنه يكون لهما مشيمة واحدة وبالتالى يكون هناك اتصال بينهما، ويعطى جنين واحد الدم للآخر فينتج عنه، جنين صغير وحوله ماء رحم قليل وآخر كبير وحوله الكثير من الماء الأمنيوسى، وإذا لم يتم التعامل معهما سينتج عن ذلك فشل فى عضلة القلب ووفاة داخل الرحم.

وأضاف ممتاز، أنه يتم علاج هذه الحالة من خلال جراحة عن طريق منظار الجنين وهو آلة مستحدثة عبارة عن إبرة رفيعة جدًا تدخل فى الرحم، ثم يستخدم الليزر لفصل الأوعية الدموية المتصلة لتكون لكل جنين على حدة، ما يؤدى لإنقاذه حتى لا يفقد الاثنين فى الشهر السادس من الحمل، وتكون فرصة نجاة أحدهما 10% ولكن من خلال العملية الفرصة ترتفع من 10% إلى 70% لهما معا.

ولفت ممتاز إلى نوع آخر من الجراحات التى يتم إجراؤها من جانب الوحدة، وهى حالة فتق الحجاب الحاجز الموجود فى الجنين، ما يؤدى إلى وصول العضلة الداخلية إلى الرئة فلا تكتمل بصورة طبيعية، وبالتالى يكون الإجراء المتخذ فى هذه الحالة بوضع بالون رفيعة داخل القصبة الداخلية للجنين، ومن ثم تدفع بالأحشاء والعضلة التى دخلت بالرئة إلى الخارج، وبعد الولادة يتم إجراء عملية جراحية عادية لعلاج الفتق عند الجنين.

جراحات ما زالت فى طريقها للنور

أكد ممتاز، أن جراحات العيوب الخلقية للعمود الفقرى لا تجرى فى مصر إلى الآن، والتى تكون عبارة عن أنه لا يوجد جزء من العمود الفقرى فى الجنين، وهو ما يؤدى إلى خروج النخاع الشوكى والأعصاب ويتسبب فى ضمور وشلل فى الأطراف السفلية يؤدى إلى إعاقة لا يمكن التعامل معها بعد الولادة.

أما عن الجراحة الجديدة، فأوضح أنها تتعامل مع العيوب الخلقية من خلال الدخول للرحم بجراحة مفتوحة من أجل استخراج الجنين وإصلاحه ثم إعادته مرة أخرى، أو التعامل معه بمنظار الجنين، حيث يتم تغطيه المكان الضعيف ثم إجراء الجراحة التقليدية، مضيفًا أنه فى المستقبل هناك جراحات أخرى تحت الدراسة مثل قسطرة الجنين وتوصيلات النخاع الشوكى للجنين وجراحات للرئة إذا كان بها أورام وبعض حالات مجرى البول.

فحوصات الجنين خلال فترة الحمل

أحدث أجهزة تشخيص أمراض الأجنة

وأشارت الدكتورة أميمة إلى أن الوحدة مزودة بأجهزة من أفضل الأجهزة فى العالم لتشخيص الأجنة، ومن بين هذه الأجهزة جهاز ثلاثى الأبعاد للمهبل وثلاثى الأبعاد للبطن لتشخيص تشوهات الأجنة، والذى يسهل حاليًا إجراء بحث عن تشوهات الأجنة وعلاقتها بالجغرافيا، وهل يوجد زيادة فى التشوهات وفقًا للمناطق، والتعرف على الأسباب بشكل أدق إذا كان زواج أقارب أو ماء ملوثة أو مصانع بها مواد مشعة.

وأكدت الدكتورة أميمة أن تشوهات الجنين كثيرة جدًا فى مصر بسبب زواج الأقارب، مضيفة أن الوحدة لديها جهاز يوضح أى تشوهات فى القلب والمخ لدى الجنين بتقنية "5D الترا سوند" تكشف عن مقاسات القلب والمخ ويتم تشخيص الحالات على أساسها.

طب الجنين ممكن يحدد نوع الولادة الأنسب

وفى إحدى غرف الوحدة، وجدت إحدى الحالات التى كانت تجرى لها الدكتورة رشا كامل أستاذ أمراض النساء والمتخصصة بطب الجنين فحصا طبيا، والتى كانت تشكو من مرور موعد الإنجاب دون حدوث طلق فهى حالة حمل متأخر 

وعند سؤال الطبيبة عن سبب تواجد هذه الحالة فى وحدة الجنين، أوضحت الدكتورة رشا أنه يلزمها فحوصات توضح حجم الجنين وكمية الماء الأمنيوسى وحالة المشيمة، وتقييم الحوض عن طريق السونار، وهذه طريقة جديدة يمكن التحديد بها إذا ما كانت ستلد طبيعي أو قيصرى، حتى لا يتم وضعها فى حالة تحفيز الولادة، وهى غير قابلة له، وكذلك حتى تتم الولادة القيصرية على أساس علمى وليس على أساس التسهيل دون الحاجة له، وكذلك لعدم مرور السيدة فى طور ولادة طبيعى لن تتمكن من خلاله للإنجاب.

وأضافت الدكتورة رشا، أن كل ذلك يتبين من مقاسات الجنين سواء الخاصة برأسه وباقى جسمه، وكذلك مقاسات الحوض، والنسبة بينهم فيجب أن تكون متوافقة، مضيفة أنها تقوم بذلك من خلال جهاز الموجات الصوتية ومجساته ثلاثية ورباعية الأبعاد، التى توضح حركة الجنين وحجمه وكل التفاصيل التى تساعد على ذلك، والذى لا يتوفر فى أماكن كثيرة فى مصر لأنه عالى التكلفة بسبب أنه مزود بتكنولوجيا متقدمة.

أنجبت مرتين بأمان والثالثة تساومها

وعند الحديث مع المريضة التى تأخر موعد ولادتها، أكدت أنها ثالث مرة تلد فيها ولم تواجه أى مشكلات فيما قبل، ولكن هذه المرة لا يريد الطفل أن يلد بعد رغم مرور التسعة أشهر، وهو الأمر الذى أزعجها كثيرا ومع متابعة الأطباء لحالتها تم نقلها لوحدة الجنين للاطمئنان على الجنين وتحديد الطريقة الأنسب له.

تقول الحالة: "جيت هنا أشوف هولد إزاى؟" مؤكدة أن الإمكانيات الموجودة فى المكان تعطيها الثقة والأمان تجاه الرأى الطبى الأنسب لها، بدلاً من إجراء القيصرية مباشرة، وتأمل أن يأتى طفلها الثالث قريبًا بشكل صحى ودون مشاكل ليكمل فرحتها بجانب أخواته "محمد ونور".