إذا كان الواجب الوطنى يدفعنا لمساندة الجيش المصرى فى حربه ضد الإرهاب، ومساندة هيئة الرقابة الإدارية فى حربها ضد الفساد، ومساندة الشرطة المصرية فى معركتها لحفظ استقرار الأمن بالبلاد، فالواجب نفسه يدفعنا لأن نطلق جرس الإنذار للإهمال الشديد الذى يضرب منظومة السكك الحديد، الإهمال الذى يترتب عليه ضحايا من مواطنين أبرياء، تركوا دنيانا فقط لأن منظومة السكك الحديدية بها فساد وإهمال متزايد يوميا.
لست قاسيا فى إطلاق الحكم بوجود الإهمال والفساد فى منظومة السكك الحديد، ولكنى أرصد الحال الحقيقى المتجسد فى 7 حوادث قطارات فى العامين الماضيين، فى يناير 2016 وقع حادث بمدينة العياط تسبب فى 7 حالات وفاة، وفى 11 فبراير وقع حادث بمزلقان الشناوية بمحافظة بنى سويف لم يسفر عن وفيات، وفى أغسطس 2017 وقع حادث بالقطار 13 إكسبريس أسفر عن 41 حالة وفاة، وفى نفس الشهر وقع حادث بمزلقان الحضرة الجديدة انتهى بحالة وفاة وحيدة، وفى نوفمبر 2017 وقع حادث بقليوب دون وفيات ،وفى 25 من نفس الشهر وقع حادث بقرية الكراكات بمحافظة كفر الشيخ دون وفيات أيضا، وأمس وقع الحادث السابع بمحافظة البحيرة وحتى الآن الأرقام تقترب من 19 حالة وفاة وعشرات الإصابات.
مع كل حادث، تخرج التبريرات، وتلقى الأخطاء على عامل المزلقان أو سائق القطار أو مسؤول التحويلة، مع قليل من تصريحات المسؤولين عن خطة لتجديد منظومة القطارات واستبدال الخطوط المتهالكة للسكك الحديد وشراء المزيد من العربات الجديدة، وبالتأكيد هذا كله مع قرار إدارى بإيقاف رئيس هيئة السكك الحديد أو نائبه، ولكن لم تعد هذه الإجراءات تقنع المواطن البسيط أو تقنع الأسرة التى فقدت ابنها فى الحادث، وبات واضحا أن الفساد والإهمال الذى يملأ اركان منظومة السكك الحديدية أقوى من أى إجراءات.
لن أقوم أبدا بدور القاضى، وأحكم على هذا بالفساد أو ذاك بالإهمال، بالتأكيد الجهات المختصة تتولى التحقيق فى الموضوع وستصل بلا شك لأسباب الحادث، ولكن ستمر الأيام ويحاكم المذنب أمام القضاء وينال نصيبه وتبقى المنظومة كما هى عنوانها الإهمال، تعالوا نسأل أنفسنا، كم حاكمنا سائقى قطارات ومسؤولين بالسكك الحديد بسبب حوادث؟ سنكتشف أننا فى دورة دائمة، كلما انتهت بدأت من جديد بواقعة جديدة.
إذن للقضاء الشريف مساره فى تحقيق العدالة ومعاقبة المخطئ، ولكن أنا كمواطن لا تضعنى فى هذه الدائرة المغلقة لمحاكمة عامل المزلقان أو رئيس هيئة السكك الحديد، ولا تجعلنى رهينة دفاتر الهيئة عن سلامة القطار قبل تحركه أم لا، الواجب الوطنى يحتم على جميعنا شعبا ودولة مواجهة الفساد الحقيقى بالسكك الحديد وبالاهمال الذى يضرب كل مكونات المنظومة، ولنكن صادقين أمام أنفسنا لأن التاريخ سيحاسبنا جميعا عن هذه الأرواح الطيبة البريئة التى تغادر حياتنا، فى وقائع متتالية باتت اعتيادية أمامنا، ويبقى السؤال: من يتحمل الذنب الأكبر؟ وفى رقبة من كل هذه الدماء؟ وإلى متى سنظل نلقى بالخطأ على عامل المزلقان ومسؤول التحويلة وسائق القطار رغم أنهم الحلقة الأضعف فى المنظومة؟
واليكم مفاجأة أخيرة، وهى أن رئيس هيئة السكك الحديد زار هذا الخط فى جولة مفاجئة قبل أيام وانتهى إلى سلامة الخط وسلامة القطارات التى تسير عليها.
رحم الله ضحايا حادث قطار البحيرة، وحفظ الله مصر وشعبها وجيشها، وتحية لأهل محافظة البحيرة الذين قدموا نماذج بطولية فى إسعاف المصابين ونقل الحالات الحرجة للمستشفيات قبل وصول سيارات الإسعاف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة