الاثنين الماضى اختتمت النسخة الثالثة من مؤتمر «مصر تستطيع بأبناء النيل» الذى عقد بمحافظة الأقصر، بحضور عدد كبير من القيادات الحكومية و23 من العلماء المصريين بالخارج، الذى نظمته وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأحد مزايا هذا المؤتمر منذ انطلاقه قبل عامين تقريباً أنه يفتح الباب لعرض أفكار خارج الصندوق للارتقاء بمصر، على يد أبنائها، وأنه أحد الروابط المهمة بين طيور مصر المهاجرة للخارج والوطن، وهو ما كنا نفتقده قبل ذلك، صحيح كانت هناك مؤتمرات وندوات تعقدها وزارة القوى العاملة والهجرة، لكنها كانت فى مجملها مجرد «شكل» ولم تتطرق مطلقا للمضمون.
صحيح أن الرئيس السيسى كان صاحب المبادرة حينما أصدر فى سبتمبر 2014 قرارا جمهوريا بتشكيل مجلس استشارى من كبار علماء وخبراء مصر يتبع رئيس الجمهورية ويكون اسمه «المجلس الاستشارى لعلماء وخبراء مصر»، وضم المجلس تخصصات مختلفة وشخصيات لها مكانتها الدولية، وكان ومازال لعدد منهم إسهامات، مثل المهندس هانى عازر والمهندس هانى النقراشى، والدكتور مجدى يعقوب والدكتور محمد العريان، وغيرهم الكثير، لكن ما يميز «مصر تستطيع» أنه انتقل بالفكرة من المستوى الرئاسى إلى القاعدة، وهو ما سيحقق النجاح للفكرة، مع التركيز على قضايا محددة.
بالعودة إلى مؤتمر الأقصر، الذى شهد العديد من الجلسات النقاشية والحوارية التى تهم قطاع كبير من المصريين، وأيضاً تلمس أزمات نعانى منها، سنجد أن العلماء نجحوا فى طرح عشرات الأفكار والمبادرات والخطط المستقبلية التى أبهرت الحضور وتساعد فى الحفاظ على المياه، وترشيدها بصورة كبيرة دون الإضرار بالمجتمع والزراعة، ويمكن بنظرة بسيطة لبعض جلسات العمل أن نتأكد من جدية المناقشات التى تمت، مثل جلسة كان عنوانها «الاستثمار والشركات المحلية والدولية فى مياه الشرب»، وأخرى حول «الريف الجديد والطريق إلى مجتمعات ريفية مستدامة»، وثالثة عن «التوعية والإرشاد وبناء القدرات فى مجالات المياه والزراعة»، وغيرها من الجلسات التى ركزت على ما نحتاجه فعلياً، حتى لا يكون المؤتمر مجرد «مكلمة» لا فوائد مرجوة منها، وبالفعل استطاع المؤتمر أن يصل إلى مجموعة ممتازة من التوصيات، التى تمت صياغتها من جانب المشاركين، التى عرضها فى الختام الدكتور هانى سويلم، خبير إدارة المياه والتنمية المستدامة.
مؤتمر هذا العام ركز على المساهمة فى الاستخدام الأمثل بإدارة الموارد المائية والتنمية العمرانية الشاملة للريف المصرى، واستطاع أن يبعث برسالة إيجابية للعالم الخارجى بأن مصر تسير بخطى ثابتة وواثقة على طريق التقدم والتطور، وأنها قادرة على مواجهة مشاكلها وأزماتها دون خوف، خاصة قضية المياه والزراعة، وإذا دققنا النظر فى التوصيات سنجد أنها تحمل ما يمكن اعتباره إستراتيجية دولة للتعامل مع أزماتها الداخلية، وأنا هنا لا أتحدث عن السياسة لكن عما يحتاجه المواطن البسيط، من مأكل ومشرب ومسكن ملائم وخدمات صحية ومدارس، أى مجتمع تنموى به كل ما يكفل الحياة الكريمة للمواطنين، ومن هذه التوصيات الدعوة إلى توظيف إعلام الدولة ومؤسساتها التعليمية والتثقيفية لتعريف المواطنين بإستراتيجية التنمية المستدامة ونشر الوعى المائى حتى تتحول إلى ثقافة مجتمعية عامة، والسعى لتوطين التكنولوجيا والصناعات اللازمة لتنفيذ الخطط الاستثمارية للدولة فى قطاع المياه، وتخصيص قطعة أرض من مشروع المليون ونصف المليون فدان كنموذج قياسى يخصص لخبراء مصر تستطيع كنموذج للمجتمعات الريفية المستدامة، وتطوير تطبيقات الهاتف الناقل لدعم الفلاح فى زيادة كفاءة إدارة الموارد المائية وزيادة الإنتاجية الزراعية لدعم الجهات المسؤولة عن الإرشاد الزراعى، والتوجه إلى استخدام تقنيات الرى منخفضة التكلفة لتحسين الرى الحقلى فى المناطق الزراعية بالمناطق القديمة، وضمان مطابقة مياه الصرف التى يتم معالجتها، بمعايير الجودة بما يسمح بإعادة استخدامها بصورة ملائمة وصحية.
كما أوصى المؤتمر بالتوسع فى تطوير استخدام موارد المياه غير التقليدية مثل استقطاب مياه الندى وتحلية مياه البحر وحصاد مياه الأمطار، ومياه الصرف المعالج وكذلك التدقيق فى مواصفات جودة المياه، مع تطوير منظومة النقل النهرى وتجهيز المجرى الملاحى للنهر والمجارى المائية الأخرى والتوسع فيهم كوسيلة أساسية للنقل، وربط أولويات استخدام المياه بالجدوى الاستثمارية والعائد الاقتصادى من وحدة المياه، واستخدام الأقمار الاصطناعية التى أطلقتها مصر والبرنامج المصرى للفضاء فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة فى المجالات كافة، مع إمكانية توفير معلومات أكثر دقة لمستثمرى القطاع الخاص عن أماكن توافر المياه لإقامة مشروعاتهم، وإنشاء حاضنات ومشروعات أعمال لدعم المشروعات التكنولوجية وربطها بالتطبيقات الخاصة بالزراعة والمياه.
هذا المؤتمر وما صدر عنه من توصيات وما سيليها من اهتمام حكومى بالتنفيذ يمنحنا طاقة إيجابية نحن فى أشد الحاجة لها، كما أنه يؤكد بالفعل أن مصر تستطيع بأيدى أبنائها الوطنين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة