لماذا يتوقف الشعراء عن كتابة القصائد؟.. هذا السؤال ربما لا يمكن لأحد أن يجيب عليه إلا الشاعر نفسه، فمهما تعددت الأسباب، فالجواب لن يأتى إلا من عند الشاعر، فى الأسبوع الماضى وقع الشاعر الكبير عبد المنعم رمضان عقد نشر ديوان جديد له بعنوان "الهائم فى البرية" مع دار العين للنشر.
لكن المفاجأة فى هذا الخبر هى ما قاله عبد المنعم رمضان، فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن هذا الديوان كتبت قصائده منذ 10 سنوات، وأن الشعر هرب منه، متمنيًا عودته إليه مجددًا، وإن كان يشعر بأن هذا لن يحدث.
إعلان عبد المنعم رمضان عن هروب الشعر منه، يتشابه مع حالات أخرى تعرض لها بعض الشعراء، سواءً فى عالمنا العربى، أو الغربى، وأقرب هذه الحالات إلينا، هو الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى الذى استغرق فترة 22 عاماً ليصدر ديوان "طلل الوقت" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب فى أغسطس 2011، وكان الديوان الذى سبقه قد صدر فى 1989، وهو نفس العام الذى حصل فيه على جائزة كفافيس اليونانية المصرية 1989.
وعن هذه الحالة يقول أحمد عبد المعطى حجازى، لـ"اليوم السابع"، إن الفترة الزمنية بين صدور ديوان وآخر للشاعر، لا تعنى الانقطاع عن كتابة الشعر، كما أن الشاعر غير ملزم بإصدار ديوان شعرى بشكل دورى، ناهيك عن أن طبيعة الشعر الذى يكتبه الشاعر قد تلزمه بأن يمكث فترة من أجل أن يكتب قصيدته التى تعبره عن رؤيته ومشواره.
وحالة أخرى يحدثنا عنها الشاعر والمترجم رفعت سلام، وهى حالة الشاعر الفرنسى آرثر رامبو (20 أكتوبر 1854 – 10 نوفمبر 1891)، والذى أصدر له الأعمال الكاملة مترجمة، وهنا يقول رفعت سلام: إن حالة الشاعر آرثر رامبو استثنائية فى تاريخ الشعر العالمى، لأنه فى سن الـ21، انقطع نهائيًا عن كتابة الشعر، وأدار ظهره بشكل كامل للأدب، ولأوروبا والمجتمع الأوروبى، وهاجر إلى عدن والحبشة، ليعمل فى تجارة الأسلحة والعبيد، وما يزال سر هذا التحول القاطع مجهولاً، ولا يعتمد إلا على التأويلات.
ويشير رفعت سلام إلى أن هذه التأويلات تقول إن عداءه مع قيم المجتمع البرجوازى الفرنسى والأوروبى عامة، خلقت قطيعة بينه وبين إمكانية الحياة فى هذا المجتمع، خاصة فى ضوء المعركة التى جرت بينه وبين الشاعر الفرنسى بول فرلان، وكاد أن يقتل فيها بمسدس "فرلان"، قد حسمت هذه إمكانية استمراره فى فرنسا أو أوروبا بشكل عام، وأنها بيئة لم تعد صالحة له.
أسباب انقطاع الشعراء عن كتابة الشعر
ويرى رفعت سلام أنه يمكن لشعراء أن ينقطعوا عن كتابة الشعر بشكل مؤقت، ويمكن أن يتوقفوا بشكل كامل عنها، إذا ما نفدت طاقتهم الإبداعية، أو تم استهلاكها فى أعمالهم السابقة، دون قدرة على تجديدها، أو إعادة اكتشاف طاقات أخرى داخلهم، فهى مسألة تتعلق بالتكوين الشخصى أو الذاتى للمبدع، وإمكانياته الداخلية، بما فيها رؤيته للعالم وللإبداع، ولنفسه، وهناك من ينشغلون عن الإبداع، بأشياء أخرى ثانوية تأخذهم بعيدًا، كأن ينشغل شاعر بكتابة مقال أسبوعى بشكل منتظم لجريدة ما، أو تقل قيمة الإبداع فى نظره مع الوقت، وأهمية كونه شاعرًا، ويشغل نفسه بالحضور الصحفى أو السلطوى، وتحقيق طموحاته المادية، التى لم تكن متاحة فى بداياته بالنسبة له، فليس هناك سبب واحد لهذه الحالة، وإنما تتعدد الحالة.
الشاعر رفعت سلام
رفعت سلام: لهذه الأسباب انقطعت عن كتابة الشعر مرتين
وعن تجربته الإبداعية يوضح رفعت سلام أنه انقطع عن كتابة الشعر مرتين، حيث يقول: تعرضت لهذه الحالة مرتين، الأولى فى منتصف قصيدة ما، وتوقفت لمدة أربع سنوات، ولم أستطع إكمالها، وكان ذلك فى منتصف الثمانينيات وبعد أربع سنوات، اكتملت القصيدة كما أريد، وهى منشور فى ديوانى الأول "وردة الفوضى الجميلة"، وكانت القصيدة بعنوان "تنحدر صخور الوقت كالهاوية".
أما عن المرة الثانية، فيشير رفعت سلام إلى أنها كانت بعد قيام ثورة يناير 2011، حيث توقفت عن الكتابة مرة أخرى، فى 2012، وحتى العام الماضى، 2017، وهذا الانقطاع كان سببه هو نتائج الثورة وما جرى خلال هذه السنوات.
ويرى "سلام" أن الشعر الذى يكتب على ضوء الحرائق، وفى ضوء حدث ما، غالبا ما سيكون مباشرًا أو تحريضيا، أما إذا كنت كشاعر تستكمل تجربتك فى رؤية ما لم يقدم نفسه على السطح فلربما أخذ الأمر بعض الوقت، حتى يصفو الانفعال المباشر بالحدث إلى رؤية، والآن تحت يدى عمل شعرى جديد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة