أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى، وسياسات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، هناك فريقان لديهما وجهة نظر متضاربة يمكن إجمال الفرق بينهما على النحو التالى، حيث يرى الكاتب صالح النملة فى بحثه الديمقراطية فى العالم العربى، أولاً: الفريق الذى يرى أن أمريكا جادة فى هذا التوجه الديمقراطى فى العالم العربى ويبنون منطلقاتهم على العوامل التالية:
- خطاب السيد بوش الرئيس الأمريكى الأسبق فى معهد اندومنج للديمقراطية الذى تحدث بإسهاب عن هذا المنطلق الجديد لنشر الديمقراطية فى العالم العربى، ثم خطاب السيد بوش فى وست منستر فى بريطانيا الذى دافع عن نفس التوجه وكان كاتب الخطابين هو السيد مارك بالمر وهو مؤلف «تحطيم قوى الشر الحقيقية» أى تحطيم القوى الديكتاتورية وغير الديمقراطية وهو سفير سابق بالفلبين وجمهورية التشيك وساعد على التحولات الديمقراطية هناك باستخدام اتصالات السفارة الأمريكية بالقوى السياسية المختلفة.
- خطاب نائب الرئيس الأمريكى الأسبق ديك تشينى رجل نفس الموقف اليمينى المتطرف وبعد ذلك تحول بوجهة نظر نائب الرئيس وهو خطابه الذى ركز على الديمقراطية وبناء المجتمع المعرفى وتوسيع الفرص الاقتصادية.
- سعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى نقل مخططها فى العالم العربى من أجل إشراك القوى الدولية الأخرى وخصوصاً فى قمة الثمانى الكبار الذى سوف ينعقد فى جورجيا الصيف المقبل وقمة حلف الأطلسى فى الصيف المقبل الذى يرغب منه توسيع حلف الأطلسى ليشمل الشرق الأوسط تحت مفهوم محاربة الإرهاب وأخيراً نقل القضية إلى القمة الأوروبية من أجل إشراك وإدخال أوروبا بهذه القضية بشكل قوى ومباشر.
ورغم وجاهة وقوة هذه العوامل فإن هناك من يستطيع تفسيرها وتحليلها على أنها تقع ضمن البعد والمصالح الاستراتيجية الأمريكية وليس بالضرورة البعد الديمقراطى فى العالم العربى.
ثانيا: الفريق الذى يرى أن أمريكا غير جادة فى توجهها لدعم الديمقراطية فى العالم العربى ويسوقون تحليلهم ومنطلقاتهم إلى عدد من العناصر كنا قد أشرنا إلى بعضها فى مقال الأمس ومنها أن التحول فى التوجه الأمريكى جاء عقب الصدمة العراقية أو المأزق العراقى، حيث كان شعار الحرب ضد العراق هو أسلحة الدمار الشامل والإرهاب وعندما لم يكن هناك دمار شامل ولم يكن هناك علاقة بين العراق والإرهاب ذهبت أمريكا إلى إيجاد مبرر سياسى لتستطيع تغطية شرعية الحرب وإرهاب دول الجوار العراقى من التدخل بالشأن العراقى. ولذلك قامت بابتزاز دول الجوار العراقى تحت مظلة التغيير السياسى لهذه الدول تحت مطرقة الديمقراطية.
ويشير الباحث إلى أن هناك ثلاث قوى تقود الولايات المتحدة الأمريكية وهى القوى اليمينية المحافظة أو المحافظون الجدد والواقعيون البراغماتيون، وهؤلاء كذلك لا يؤمنون بأن الديمقراطية وسيلة لتحقيق الهدف بل إن استخدامها لتحقيق الهدف هو الهدف بذاته. والفريق الثالث هو الفريق البيروقراطى وهو فريق لديه القوة البيروقراطية ولكن لديه من ضعف الإرادة. وهذه القوى تتفق على أن أهداف الولايات المتحدة الأمريكية تتركز فى الآتى:
- ضرب مناطق الإرهاب عبر خلخلة الوضع السياسى لبعض الدول العربية أو دعم البعض من أجل تحقيق هدف الحرب على القوى السياسية التى تحارب الولايات المتحدة الأمريكية.
- حماية إسرائيل وهو هدف حيوى وقد يقود إلى عمل تفكيك العراق ودول عربية أخرى أو إضعافها على أقل تقدير.
- ضمان الولايات المتحدة الأمريكية لعدم امتلاك أو القدرة على امتلاك الأسلحة غير التقليدية سواء نووية أو كيماوية لأى دولة عربية وهو هدف حيوى وجاد ولذلك فإن كل المفاوضات التى جرت بين الولايات المتحدة الأمريكية وليبيا لم تتحدث عن الديمقراطية وإنما تركزت على عاملين هما محاربة الإرهاب وتفكيك البرنامج التسلحى الليبى ولم تكن الديمقراطية حاضرة لا من قريب ولا من بعيد فى هذه النقاشات بين الجانبين.
- تحقيق المصالح الاستراتيجية الأمريكية البعيدة المدى فى آسيا وأوروبا عبر التحكم المباشر بالنفط العربى والعراقى على وجه الخصوص ويكون ذلك عبر الوجود المباشر فى الدول العربية.
بقى القول إن هناك العديد من العوامل السياسية التى يمكن أن تعطى انطباعات وتصريحات ومواقف غير حقيقية وإنما وهمية ومنها:
- أنه موسم سياسى أمريكى وهو مرحلة الانتخابات الرئاسية وهذا يتطلب مواقف غير حقيقية يرغب منها إحراج الخصم دون أن يكون هناك نية سياسية إجرائية حقيقية لذلك.
- إن التنافس الأوروبى الأمريكى على المصالح هو المحرك الحقيقى لسياسات ومواقف هذه الدول وليس التعاون وأن التعاون يمكن أن يحدث إذا كان فيه تقاسم للغنيمة ورضاء للطرفين.
- إن العالم يسمع عن المشاريع الديمقراطية الأمريكية عبر وسائل الإعلام ولكن لم ير أى ارتباطات مالية حقيقية أو جهدا حقيقيا للعمل على ذلك ولذلك هناك حديث كثير وليس هناك مال وعمل مباشر.
بقى أن الأيام والتحليل الدقيق والقراءة المستمرة للأحداث هى التى سوف تكشف وتجيب على هذه الأسئلة التى يمكن أن تفاجئنا بأن العقل الأمريكى لم يتغير منذ خمسين عاماً وأنه يمارس نفس الفكرة والسياسات القديمة أو أن هناك تغيرا جوهريا هذا ما نتركه للمستقبل. «يتبع»