يعمل عقلاء العالم على محاربة التصنيف والتنميط والقولبة والتعميم، يبذلون كل الجهد حتى لا يتحمل الفرد ذنب العرق أو الجنس أو الجنسية التى ينتمى إليها، تنتج أفلام، وتكتب مقالات، وتنطلق حملات حتى لا يتم التعامل مع البشر وفقا لملابسهم أو لون بشرتهم، وحتى لا يتم التعامل مع كل أمريكى على أنه داعم للحروب، وحتى لا يؤمن العالم بأن كل مسلم هو أداة تطرف وإرهاب، وحتى لا تسير قاعدة بأن كل صاحب لحية هو آلة تفجير وقتل.
أهل الإسلام فى العالم أجمع ينفقون ويكتبون عن لعبة التعميم والقولبة، تنطلق الندوات والحملات والصرخات لإيقاظ العالم من غيبوبة التعميم التى تجعله يرى فى كل مسلم أو عربى إرهابيا، وفى كل صاحب لحية «داعشى»، ولكن البعض هنا يهوى ممارسة الوصاية، ويعزز فكر العنصريين والمتطرفين بتعميم صورة الفرد على الكل.
مؤسف جدا أن يسقط أستاذ كبير بحجم صلاح منتصر فى هذا الفخ، فخ التعميم والقولبة، وربما لو عدنا إلى مقالات أو تصريحات قديمة للأستاذ صلاح منتصر، سنجد فيها صراخا وألما من تعميم العالم صفة الإرهاب على المسلمين، ورفضا لتقييم البشر على أساس الملبس أو الشكل، ولكنها غفوة كاتب كبير تشبه إلى حد كبير السقطة الكبرى، ليس فقط لأنها طالت نجما كبيرا مثل المحترف المصرى محمد صلاح الذى أصبح أيقونة منيرة لمصر والعرب والإسلام فى كل بلدان العالم، ولكن بسبب هذه العوج الذى أصاب طرح الأستاذ صلاح منتصر، فظهر فى صورة مقال يتكلم بلغة الوصاية وهى اللغة التى يجب ألا تخرج أبدًا على لسان من يؤمنون بالحرية والديمقراطية ويحترمون خصوصية البشر.
استخدم الأستاذ صلاح منتصر لفظة «يجب» وهو يطلب من المحترف المصرى محمد صلاح أن يجرى «نيولوك» لمظهره لأن لحيته تضعه فى مصاف المتطرفين والإرهابيين أو المتعاطفين معهم على أقل تقدير، وطلب منه فيما يشبه الأمر أن يذهب إلى الحلاق لأنه شكل شعره لا يعجبه، وظلل الكاتب صلاح منتصر هذه الوصاية وهذه الأوامر التى تنتهك الحقوق الشخصية بحجة أن محمد صلاح أصبح قدوة لملايين الشباب والأطفال وهنا كانت الكارثة الثانية، لأن ما يطرحه الأستاذ صلاح منتصر هنا يؤكد أن جزءا كبيرا من أهل النخبة القديمة فى مصر مازال غارقا فى المظاهر والطقوس، يرى الإسلام فى الملبس، ويرى أن القدوة شكلا وليس مضمونا.
الأمر الأخطر من ممارسة الوصاية على محمد صلاح، هو تدمير المحترف المصرى بإثارة جدل كبير حوله وحول توجهاته السياسية والدينية، وهو الأمر الذى ربما يثير قلق محمد صلاح ويشغل تفكيره ويبعده عن مساحة التركيز التى خلقها لنفسه ووصلت به إلى هذه الدرجة من النجاح والشهرة فى الدورى الإنجليزى، وتلك هى الكارثة الكبرى أن يتخيل أحدهم أن السن أو القيمة والخبرة تمنحه حق ممارسة الوصاية على شاب باعتبار أنه يفهم مصلحته أكثر مما يفهم هو، فيجذبه إلى حيث مستنقع من الجدل، ليس بعيدا عن أن تبدأ الصحافة الأجنبية رحلة صيد فى مائه العكر بشكل يؤثر سلبا على صلاح وتركيزه فى المباريات.
عموما يبدو الأستاذ صلاح منتصر حسن النية بكل تأكيد، ولكنه بما كتبه ضرب معول هدم فى بناء محمد صلاح الضخم الذى نجح ولأول مرة منذ بدء لعبة الإرهاب أن يصدر للعالم صورة شاب مسلم ناجح يحبه الصغار قبل الكبار، ولا يرى أحد فى لحيته سببا للخوف أو حجة لاتهامه بالإرهاب، بل على العكس تماما دفعتهم محبتهم لصلاح لأن يتغنوا بمصر والعرب والفراعنة والإسلام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة