على مدار السنوات الستة الماضية كم من الدمار والخراب لحق بالأراضى السورية لدرجة تعجز الكلمات عن وصفه، والشيء المؤسف أن الخيوط تتشابك وتتعقد مما يجعل حل المعادلة فى سوريا صعب للغاية، وأحد أطراف تلك المسألة هى جبهة النصرة أو فتح الشام حاليًا، والسؤال أين موقعها من تلك المعادلة المعقدة؟.
السؤال حول وضع جبهة النصرة من المعادلة السورية يطرح نفسه عقب التصريحات الصحفية التى أدلى بها وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف مؤخرًا وتتحدث حول امتلاك روسيا أدلة متزايدة على أن دول غربية تحاول الحفاظ على وجود مسلحى جبهة النصرة فى سوريا من أجل تغيير النظام القائم.
وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف
كلمات وزير الخارجية الروسى أشارت بأصابع الاتهام حول وجود دول غربية تريد الحفاظ على وجود تلك الجماعة المسلحة، وإن صح حديثه فما أسباب تلك التصرفات من هذه الدول؟، وكيف يمكن استخدامها فى تغيير النظام القائم؟.
ولفهم هذه الألغاز يمكن الرجوع إلى أصل نشأة جبهة النصر أو جبهة تحرير الشام، التى تشكلت فى أواخر عام 2011، وظهرت بقوة فى عام 2012 بين الفصائل المسلحة فى الحرب بسوريا برئاسة أبو محمد الجولانى، وأعلنت فى بداياته أن هدفها الرئيسى إسقاط الرئيس السورى بشار الأسد، وستركز عليه أكثر من أى شيء أخر لكن تحولت عدة على الجبهة منذ هذا الحين إلى وقتنا الحالى.
جبهة تلعب على كل الجبهات !
وتُصنف جبهة النصرة على أنها أحد فروع تنظيم القاعدة بقيادة محمد الظواهرى فى سوريا، إلا أنه فى إبريل 2013 أعلن أبو بكر البغدادى خليفة داعش المزعوم فى تسجيل صوتى الاندماج وذلك تحت راية واحدة وهى "الدولة الإسلامية فى العراق والشام" لكن النصرة رفضت الاندماج بسبب عدد من الاختلافات الأيديولوجية مع داعش أهمها أن مجموعة النصرة من الذين قاتلوا فى العراق أدركوا أنهم ارتكبوا أخطاء هناك باستخدام أسلوب الرعب ويجب تغير هذا النهج.
رفض جبهة النصرة للاندماج مع داعش أحدث حالة من القتال بين الطرفين لاسيما أن أبو محمد الجولانى كان ملكا متوجًا على عرش شرق سوريا ويسيطر على مدن مثل الرقة ودير الزور، وفى وقت هذا الاقتتال كانت الجبهة تستعد للهجوم على محافظة إدلب من أجل الإعلان عن نفسها كتنظيم قوى داخل الأراضى السورية، وفى المقابل كان الدواعش يسيرون على نهج يكفر بالثورة السورية أصلاً وأن هدفهم هو إنشاء دولة الخلافة لذا فإنهم رأوا زعيم النصرة فاسق يجب قتاله.
مع التوالى الضربات من التحالف الدولى ضد التنظيمين النصرة وداعش، انحصرت مساحات الأراضى التى يسيطران عليها خاصة تنظيم الدولة الإرهابى الذى تلقى ضربات موجعة فى كل من سوريا وكذلك العراق، بينما النصرة ظل لها وجود إلى حد ما لكنه فى 30 يوليو عام 2016 أعلنت فى خطوة مفاجئة انفصالها عن تنظيم القاعدة أو كيان خارجى آخر فى مقطع فيديو ظهر فيه زعيمها مكشوف الوجه لأول مرة فى تاريخ تسجيلاتهم، مؤكدًا على تغيير اسم الجبهة إلى فتح الشام.
أسباب تغيير ثوبها
خطوة النصرة بتغيير اسمها إلى فتح الشام، اعتبرها مراقبون دوليون للشأن السورى بمثابة محاولات لإعادة تسويق نفسها، لاسيما أنها تعتبر من أخطر الجماعات التى لها تاريخ دموى وحشى بالأراضى السورية وزاد من الوضع سوءً ظهور علم القاعدة لكنها أرادت بتغيير مظهرها الخارجى كسب مؤيدين جدد على الصعيد المحلى والدولى وعدم الدخول فى تناحر مع الجماعات ذات الانتماءات الايدلوجية الأخرى المتواجدة فى سوريا، وكذلك حاولت التقاط أنفاسها من القصف الروسى والأمريكى عليها وإن كان الطرح الأخير لم يأخذه الكثيرون على محمل الجد خصوصا أن الدولتين تعرفان أهدافهما جيدًا.
سبب أخر ساقته التقرير الدولية حول تغيير جبهة النصرة ثوبها فى عام 2016 أنها تتلقى دعمًا من دولتين هما قطر وتركيا واللتان أراد منها فى وقت سابق الانفصال عن القاعدة لتكون أكثر قبولا فى المنطقة، وهذا ما حدث بالفعل لاسيما أنهما يعتبران الجماعة أحد الأوراق الهامة للعب فى صالحهما على الأراضى السورية.
وفى إطار العلاقة بين قطر وجبهة النصرة ينبغى الإشارة وفقاً لما تقوله شبكة سكاى نيوز الإرخبارية إلى أن الإمارة العربية تقدم دعم مادى لا محدود لهذا التنظيم منذ سنوات ليكون ذراعها فيما يحدث على الأراضى السورية، طبقا لتقديراتها فإن قطر قدمت تمويل مادى للجماعات الإرهابية ومن بينهم النصرة فى الفترة بين 2010 – 2015، وصل إلى 64.2 مليار دولار، وكذلك 30 مليون دولار فدية الصحفى الأمريكى، بالإضافة إلى 16 مليون دولار دفعة على الهواء من الدوحة فدية لراهبات "معلولا". وأيضًا أشارت الشبكة إلى أن دعم الدوحة لم يقتصر عند حد التمويل بل امتد إلى الدعم الإعلامى أيضًا لاسيما أن الجولانى أميرة جبهة النصرة كان يظهر فى وسائل الإعلام القطرية خاصة قناة الجزيرة.
أبو محمد الجولانى، زعيم جبهة النصرة
معارك الغوطة تعيد اسمها للساحة
وفى وقتنا الحالى، يبرز اسم جبهة النصرة على الساحة فى ظل الدور الذى تلعبه فى معارك الغوطة الشرقية والتى قد تكون حاسمة فى بقائها من عدمه، وتم الإعلان عبر تقارير أوردتها وكالات أنباء أن قائد عسكرى فى القوات التابعة للجيش السورى أنه تم فصل الغوطة الشرقية إلى جزئين بعد معارك عنيفة مع عناصر "جبهة النصرة" المسلحة.
القائد العسكرى قال وفقًا لما نقلته قناة روسيا اليوم :"إن فصل مدينة الغوطة شمل أن تكون مدن دوما ومسرابا وعربين بقسم محيد عن الأعمال القتالية والذى تسيطر عليه الفصائل المسلحة "فيلق الرحمن"، فى حين أن تتم الأعمال القتالية والضربات الجوية على كل من مدن الشيفونية ومزارع سوى وحمورية وكفر بطنا وجسرين وصولا إلى حرستا".
اتهت أيضًا آخر التقارير الواردة من وكالات الأنباء السورية حول جبهة النصر، إرهابيى جبهة النصرة والمجموعات التابعة له فى الغوطة الشرقية بريف دمشق باستهداف، الممر الآمن المحدد لخروج المدنيين عبر مخيم الوافدين تمهيدا لنقلهم إلى مقر الإقامة المؤقت فى الدوير بالقذائف، وذلك خلال فترة التهدئة المحددة يوميا من الساعة الـ 9 صباحا وحتى الـ 2 ظهرا لإفساح المجال للمدنيين بالخروج.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة